المشكلة في الإيجابية الجنسية
تُعتبر كافة النشاطات الجنسية الآمنة والتي تتم بموافقة الأطراف المعنية صحية وممتعة. هذه المقاربة تجاه الجنس تسمى بالإيجابية الجنسية، وهي أيديولوجية تحثّ على المتعة والتجريب داخل المساحات الآمنة والخالية من الأذى والإكراه. يبدو ذلك واضحاً ومباشراً، لكن مشكلة هذا التعريف هي في تجاهله المكونات السياسية للجنس والجنسانية. قوبِلَت، مؤخراً، الإيجابية الجنسية بالكثير من النقد الذي أؤيده شخصياً، لإقتصار هذه المقاربة على الإحتفاء بالجنس الذي يتم داخل مساحة آمنة وبموجب موافقة الأطراف المعنية. فهذه المقاربة للإيجابية الجنسية ناتجة عن حراك أبيض ومطابق/معياري الهوية الجندرية يؤمن بأن "جميع التعابير الجنسانية الرضائية، أو غيابها، هي جيدة وصحية"، وأنا لا أؤيد ذلك.
ليست كل التعابير الجنسية صحية أو ممتعة. إن التعريف العريض للإيجابية الجنسية الذي يجزم بأن كل التعابير الجنسية هي جيدة، ويشجعها حتى، قد يكون له آثار مروعة على نظرتنا للجنسانية. على سبيل المثال، يتجاهل هذا التعريف الهيكلية النظامية القمعية التي تتخلل الجنسانية. كما يطمس حقيقة هيمنة الذكورية على إقرار أي من الجنسانياتموافق عليها مجتمعياً. علاوة على ذلك، يتغاضى هذا الصنف من الجنس عن علاقات السيطرة المبنية على التمييز الجندري التي تحكم الجنس. هذه المسائل المؤثرة تبقى دون معالجة، ويتم إختزالها بأسئلة مثال "لما لا تجربين هذا أو ذاك؟" أو "لما لا تتحدثين عن هذا الأمر مع شريكك/شريكتك؟"
ليس المقصود هنا أن إختبار أمور جديدة أو مناقشة موضوع الجنس مع الشركاء هو أمر سلبي، بل على العكس قد يكون ذلك عظيماً. لكن قد لا يكون هذا الإمتياز بمتناولنا جميعاً، وحتى حينما يتوفر، قد تفتقد هذه المحادثات للمساواة. يشتمل خطاب الإيجابية الجنسية على عددٍ من الممارسات القمعية المحتجبة التي تعترض سبيل فهمنا للتجارب الجنسية المتعددة. فالقول أن إثارة البظر هو الطريقة الوحيدة لإختبار المتعة فيه قمع للنساء اللواتي لا يمتلكن بظر أو اللواتي تم كي بظرهن، أو ولدن دون بظر، ولم يرين أو يلمسن واحداً في حياتهن.
مشاريع مثال Cliteracy Project الذي يقيس صحة الحياة الجنسية بعدد المرات التي تصل فيها المرأة للنشوة، تسمح للرجال أن ينظروا لأنفسهم ك"نسويين جدد" إن كانوا يستمتعون بمنح المرأة اللذة الفموية، كما تسهم في تهميش النساء اللواتي يعانين من علاقة معقدة مع الجنس. كما أن إعتبار أن "كل جنس رضائي هو إيجابي" وإفتراض أن الشهية الجنسية هي أمر عالمي، فيهما شيء من التهميش للهويات غير الجنسية، بتأكيدهما أن كل إنسان هو شخص جنسي وأن كل من يعتبر نفسه غير جنسي لم يلتقِ بعد بالشخص المناسب أو أنه لم يجد الإطار الذي يسمح له بأن يكون شخص جنسي. الجنسانية الإلزامية هي فخّ آخر من صنع الإيجابية الجنسية. يقوم مفهوم الجنسانية الإلزامية على فكرة أن الإكثار من الإنخراط في العلاقات الجنسية يمنح قيمة للفرد بإعتباره شخص إيجابي جنسياً. ليس ذلك رائجاً في العلاقات المغايرة جنسياً فحسب، إذ أن الأبوية تمتدّ إلى العلاقات غير المتباينة جنسياً أيضاً. عندما تعمد ديناميكيات السلطة المختلفة إلى تعريف الجنس بين الشركاء، "فهي تستدعي شبح الأدوار الأنثوية والذكرية". وعليه، فإن السؤال الذي يُطرح بشأن العلاقات المثلية هو "من المرأة ومن الرجل في العلاقة؟" يشكل هذا السؤال أداة لتحديد من يمتلك السلطة داخل العلاقة، ومن يفتقدها، ما يعزو مكانة إجتماعية أرفع للأقوى من خلال تحديد "من يجب أن يتمّ نكاحه من قبل الآخر". يذكرنا هذا المثال بأن الجنسانيات غير المتباينة جنسياً غالباً ما تحكمها قواعد نموذج العلاقات المتباينة جنسياً.
على غرار ذلك، تفترض هذه المقاربة أن الجميع قادر على إمتلاك الخيار بالقبول أو الرفض. أجل، إنني أقول أن بعض النساء لا يمتلكن هذا الخيار لإنعدام مفهوم التراضي في علاقاتهن. وبالرغم من رفضي لتجريد أي فرد من حقه بإمتلاك هذا الخيار، إلا أنه لا يمكنني إنكار تجربة المتعة والجنساية التي خاضها. لا وجود للجنس والجنسانية خارج إطار السياسة. "إن كلّ شيء سياسي وإجتماعي،" ولذا هناك إشكالية في إعتبار أن مفهوم التراضي هو أمر تلقائي وبديهي داخل مجتمع بطريركي. بعض الناس ليسوا مجهزين لخوض هذا النقاش لأنهم لا يعرفون لغته، وأنا لست مخولة لسلبهم تجربتهم الجنسية على خلفية أيديولوجياتي الملمة بموضوع الجنس الرضائي.
أجسادنا مثقلة بما نحمله من تاريخ. عليه، يجب ألا يقتصر فهمنا للجنسانية على الجانب المادي من الجنس. بل علينا الأخذ بعين الإعتبار أن أجسادنا لطالما كانت عرضة للتصنيف والقمع. لذا علينا أن نظلّ واعين ومدركين للعوامل التي تتقاطع مع موضوع الجنس، وذلك عبر الإقرار بضرورة الإحتفاء بتجارب الناجين والناجيات، وعدم وصم الأشخاص اللاجنسيين، والمصابين بفايروس HIV أو غيره من الأمراض التي تنتقل عبر الجنس، وعدم تهميش النساء اللواتي لا يمتلكن بظر، والعلاقات التي تفتقد لمفهوم الجنس الرضائي، والأشخاص الذين لم يختبروا تجربة المتعة، إلخ. إن تصنيف النسويات على أساس مقاربتهن الإيجابية أو السلبية تجاه الجنس، يخلق مزيداً من الشرخ والإنقسام في صفوفنا، ما يمكن إستخدامه ضدنا بطرقٍ فعلية ومتعمدة، لإلهائنا عن الإنقسامات العرقية والطبقية والجغرافية الحقيقية.
يتعين علينا ألا "نتوقف يوماً عن طرح الأسئلة الصعبة لصالح إعتبار أن كلّ شيء هو مثقف على نحو ثوري، الأمر الذي من شأنه تفريغ الهياكل القمعية من مكوناتها المعقدة." إن الكويرية ليست هوية، بل نهج يتحدى إلزامية الجنسانية المغايرة جنسياً. فهل من الممكن تحدي الإيجابية الجنسية دون حذفها؟ من المهم إذاً أن نتوقف عن النظر إلى السلبية الجنسية كأمرٍ مهين، وأن نأخذ بالحسبان بأن هؤلاء النسويات ينقدن الجنس على أساس سياسي وليس أخلاقي. هناك فرق بين المقاربة الإيجابية للجنس وبين إعتبار أن كل جنس رضائي وغير مؤذي هو جنس إيجابي. أنا اؤيد الخيار الأول.
Written by Lama
Edited by Lore Satori