للعالم، كان لدي مظهر قد عرّفه المجتمع بأنه مظهر امرأة. ولكن، لم تكن هذه هي الصورة التي كانت لدي عن نفسي. ليس عندما كنت طفلاً، وحتى أقل عند سنين المراهقة. كنت أعرف دائما كيف أريد أن أبدو، إنسان بشعرٍ طويل لديه لحية وعضلات. أتذكر عندما شاهدت فيلم طرزان لأول مرة، كنت قد أردت نفس المظهر الذي كان لدى طرزان. أتذكر أيضًا أنني قد أردت أن أكون قرصاناً مع شوارب طويلة مثل جاك سبارو في فيلم"Pirates "of the Caribbean. مع مرور الوقت، قد تغيرت صورتي الذاتية ولكنني أعلم شيئًا واحدًا: صورتي الذاتية شرعية وهي  شأني الخاص. حتى لو  كنت الآن على العكس تماماً من مظهر طرزان (لدي شعر قصير جدًا، أحب الموضة، وأكره الغابة)، ما زلت أريد البنية الذكورية لجسدي التي قد بناها المجتمع. هذه البنية الذكورية لجسدي قد أصبحت جزء من هويتي ولا يمكن مناقشتها أو تغييرها. المجتمع هو الذي قد خلق الصورة "المثالية"، أي النمطية، للرجل والمرأة، لا الطبيعة. مثلاً، كثير من النساء قد تكون لديهن الإمكانية لإنماء لحية، ولكن المجتمع يرفض قبول ذلك المظهر للنساء، على الرغم من أن "الطبيعة"  قد أعطتها تلك القدرة. إن هذا التصنيف لما هو مقبول وما هو غير مقبول، قد يحدد مساراتنا في الحياة. وكأشخاص ترانس، هذا التصنيف يقف عائقاً أمامنا.

 قد لاحظت هذه الصعوبات عندما تم رفض علاجي الهرموني بسبب عدم إحالتي من قبل طبيب نفسي. لم أكن أفهم لماذا يراد إجباري على الكشف عن تفاصيل خاصة وحميمية عن حياتي،  مع شخص لا أعرفه/ا،  لمدة عام على الأقل، ودون أي ضمان لحصولي على إحالة لدواء أساسي بالنسبة لي. أقول دواءًا أساسياً لأن خلال فترة البلوغ وبعدها، قد أصبحت في حالة اكتئاب شديدة ولم أستطع الخروج منها. كنت أشعر بأني خفي أحياناً، وفي أحيان أخرى أشعر بأنّي ظاهر جداً. شعرت بثقل جسدي كل يوم. كنت غير مرتاح أبداً مع نفسي، ولم يكن لدي العديد من الأصدقاء. حاولت الهروب من الواقع عبر الحب وحتى عبر الدين. كان ذلك طريقي للنسيان، نسيان كم كرهت مظهري. بالنسبة لي، الأمر لا يتعلق بـ"تغيير الجنس"، بل يتعلق بالشعور بالراحة مع الجسد. في الواقع، إن العديد من الأشخاص الترانس مرتاحين مع الأعضاء التناسلية أو غيرها من الأعضاء الجنسية الثانوية التي ولدوا فيها.

 كنت غاضب من الطبيبة التي قد رفضت علاج الهرمون لي. أتذكر الطريقة التي نظرت إلي بها عندما أخبرتها بسبب موعدي معها. فقد ظنت أنني أرغب الحصول على جسد "ذكوري" من أجل مواعدة النساء، وألقت علىّ خطابًا حول كيف أنّه لا توجد مشكلة بأن أكون مثلية الجنس. منذ تلك اللحظة، عرفت أنه لا يزال أمامي طريقاً طويلاً.

 شمل هذا الطريق الطويل الذهاب إلى طبيب نفسي. نصحني صديقي بمركز في الحمرا يستقبل أفراد مجتمع الميم  (LGBTQ) ويوفر جلسات مشاورة. ذهبت إليه وأنا أظن أنهم سيفهموني، ولكن لم يكن الأمر كذلك. قد واجهت طبيبة تحاول كشف سبب وجود هويتي غير النمطية. كانت تحرّف كلامي وأرادت أن تعرف لماذا أنا ترانس. شعرت كأنني أقف أمام دكتور فرويد، ولم يمض وقتًا طويلاً قبل أن اتوقف عن الذهاب إلى المركز.

 ثم، نصحني مدرّسي برؤية محللة نفسية – كانت تجربة أسوأ من التي سبقتها.  دفعت مبلغًا كبيراً  في اجتماعنا الأول (الذي كان هدفه، من المفترض، أن نتعرف على بعضنا البعض ونرى إذا كنت مستعد بأن أبدء العلاج معها). كانت نبرتها إستعلائية وهي تقول أنني إذا لم أقم باختيار العلاج معها لمدة عام على الأقل، فلن أصل إلى الهرمونات أبداً (ليس فقط في لبنان ولكن حتّى في أي بلد آخر). أذكركم أنّ جلسة العلاج الواحدة تكلف حوالي 40$  على الأقل، لذلك تخيلوا المبلغ السنوي الموازي لـ 1920$ بالضبط.

 بالتأكيد كانت خاطئة. العديد من الدول، وبعض الأطباء الذين يقدمون رعاية شاملة في لبنان، لا يفرضون عامًا من العلاج على الأشخاص الترانس لوصف الهرمونات، أو للوصول إلى عمليات جراحية. خلال هذا الوقت، حوالي آخر سنة 2014، كنت أتطلع إلى السفر للحصول على علاج هرموني وجراحي خارج لبنان- حيث واجهت تجارب سيئة مع أطباء هرمونات، أطباء نفسيين، ومع بعض الجرّاحين حتّى. لا أستطيع أن أقول أن الجراحين لم يكونوا لطيفين أو أنهم كانوا مهينين، ولكن كان نفس الحال مرارًا وتكرارًا. كان يلزم علي الحصول على إحالة من طبيب نفسي لكي أصل إلى مرحلة العلاج الهرموني. ولكن هؤلاء الجراحين كانوا جراحي تجميل، فهم يعدلون أجساد النساء والرجال كل يوم دون أن يطلبوا منهم أي إحالة أو تشخيص. وهذا هو ما يثير غضبي. جعلوني أشعر أنني طفل لا يعرف مصلحته.

 في أكتوبر 2014 ، هاجرت إلى لندن. أجريت بعض الأبحاث على الأطباء الذين يصفون الهرمونات، ووجدت طبيبًا له مركز  يسمّى بـ "Transhealth"  متخصص في صحة الأشخاص العابرين/ات، وقررت أن اذهب إليه. كان لدي موعد مع دكتور كورتيس الذي يمتلك العيادة. كان الموضوع مكلف، ولكن الأمر يستحق. ذكر لي تأثير العبور الجنسي على الشخص، الجانب الإيجابي والسلبي، الطبي وغير الطبي .أعطاني أوراق وبروشورات كثيرة لأقرأها وأوقع عليها قبل الموافقة على إكمال العملية.  كما أنه نصحني برؤية مرشدة اجتماعية لجلستين، فقط للتأكد من أن قراري للعبور هو لي، وإنه اتخذ بوعي تام. كانت رؤية المرشدة أكثر منطقية من رؤية طبيب نفسي. فإن المرشدين لا يرونك كإنسان "مريض"  أو كإنسان يحتمل أن يكون مريض، فدورهم الوحيد هو تقديم المشورة والتأكد من أن الشخص يعرف ما يجب أن يتوقع من عملية العبور الجراحية والهرمونية.  أيضا، القانون في لندن يطلب جلستين مشورة وكان من السهل الحصول على سعر منطقي.

 سارت الجلسة مع المرشدة بشكل جيد، كانت متفهمة لوضعي وكان لديها معرفة واضحة حول معنى الترانس اجتماعيًا وطبياً.  أكملت الجلستين خلال أسبوعين، ثم حصلت على موافقة دكتور كورتيس وبدأت بالعلاج الهرموني في 15 يناير 2015 - كان تاريخاَ محمساً. أتذكّر أني كنت أبحث عن التغيرات الجسدية حالما أستقيظ كل يوم. التغيرات تأتي ببطء، ولكنها تأتي. الآن، لقد مر 4 سنوات وانا آخذ تستوستيرون. صوتي عميق، وجسدي أكثر ذكورة بحسب التحديد الاجتماعي ولكن هذا بسبب نشاطي الرياضي، وما زلت أنتظر نمو لِحْيتي.

 قمت أيضًا بإجراء العملية الجراحية العليا، أي عملية استئصال الصدر، في لندن. كان  من السهل الحصول عليها ولم يكن من الضروري أن أذهب إلى جلسات مشورة قبلها. حصلت على إحالة من دكتور كورتيس وبعد شهر كنت مستعدًا لإجراء العملية الجراحية. أجراها لي الدكتور مايلز بيري بخصوصية. هو وفريقه كانوا لطيفين جداً وإحترموا الضمائر التي أفضلها. بقيت ليلة واحدة فقط في المستشفى ولم أشعر بعدم الراحة من فريق العمل. بعدها كان عندي خمسة مواعيد للمتابعة، وإذا كان لدي أي سؤال، فكان بإمكاني إرساله عبر البريد الإلكتروني أو الاتصال بهم في أي وقت. إجراء هذه العملية كان مريحًا جداً، أصبحت حرًا في المشي والركض براحة نفسية. الآن، أستطيع أن أذهب إلى البحر دون قميص، شيء كنت أحلم به. هذه العملية أعطتني امتيازات مرتبطة بالعبور الجنسي، مما يعني أنّه عندما يروني الناس، فإنهم يروا رجلاً ولا يتسائلون عن هويتي؛ اصبحت انساناً صعب تمييزه كغير نمطي. بالنسبة لبعض الأفراد الترانس، عدم القدرة على التمييز هذه أمرًا أساسياً.  فهي تساعدهم على أن يصبحوا أقل عرضة للخطر في الشوارع وفي الأماكن العامة التي تكون خطرة على أمن الأفراد العابرين/ات.

 من المهم أن أشدد أن هذه التجربة هي تجربتي الطبية الخاصة بي؛ وبالتأكيد أنّها ستختلف كثيرًا من شخص لآخر. قد يكون لدى البعض تجربة رائعة مع الجرّاحين اللبنانيين وتجربة سيئة مع الجرّاحين في بريطانيا. الكثير من الأطباء في لبنان مستعدون للتعلم والمساعدة. لكن بشكل عام، أعتقد أن الأمر كله يتعلق بنظام الرعاية الصحية العامة في لبنان. الممرضون والجراحون في بريطانيا مدربون على قضايا الترانس ويمكن أن يواجهوا عواقب إذا لم يحترموا هوية الناس. كما أن نظام الرعاية الصحية في بريطانيا يقدم علاج مجانًا لمواطني المملكة والأشخاص الذين يحملون فيزا حتى لو كانت فيزا طالب. بينما في لبنان، قد تكون العمليات الجراحية مكلفة، وأحيانًا لا تتم بشكل صحيح، كما أن الموظفين غير مدربين بشكل عام.

 انني أقدر دعم شريكتي وعائلتي وأصدقائي. أعلم انني محظوظ جدًا لأنني التقيت بأشخاص يقبلونني بدون أي أحكام، أشخاص يحترمون هويتي. على الرغم من أنني اضطررت أن أسير في خطوات مؤلمة للتعبير عن انزعاجي ولكي أعيش حياتي وأنا صادق مع نفسي، فقد فوجئت بوجود أشخاص مدهشين بحياتي يدعموني ويسمعوني. في بعض الأحيان، يمكن للناس أن تفاجئنا بطريقة إيجابية.

 أربع سنوات على علاج هرمون التستوستيرون، 3 سنوات بعد العملية الجراحية العليا، ولا أندم على شيئ. لا أستطيع أن أقول أن الحياة أصبحت ممتازة او أنني أسعد شخص على وجه الأرض. ولكن ما يمكنني قوله هو أنني واثق بنفسي وأشعر براحة مع نفسي ومع الآخرين. عندما أشعر بالحزن، أشعر بالحزن لأنه ما زال هناك أشخاص ترانس أمامهم طريق طويل للشعور بالأمان والتقبل التام في مجتمعاتنا. أنا كنت محظوظًا لتلقي الدعم من الأشخاص في حياتي، ولكن بالتأكيد هذا ليس الحال لجميع الأشخاص الترانس. البعض مهدد بالموت، بعضهم يتعرض للأذى، والبعض الآخر يترك في الشوارع …

 ما زلت أشعر بالخوف في بعض الأحيان لأنني أعلم أن جسدي لا يتناسب تمامًا مع التوقعات الاجتماعية لمظهر الرجل. أخاف من الذهاب إلى المستشفى أو حتى إلى  الحمام، من  أبسط الأشياء. آمل في يوم من الأيام أن يسمح لنا المجتمع بالعيش دون كل هذه المخاوف، وأن يدرك أن حياة الأشخاص العابرين والعابرات ليست بسيطة. يجب علينا محاربة أجسامنا؛ وأن نسير في طريق طويلة ومؤلمة لكي نتقبل هويتنا. لكن أهم شيء هو أننا لسنا مختلفين. نقوم جميعنا بتعديل أجسادنا لأسباب متعددة ، في الصالة الرياضية ، الوجبات الغذائية، إزالة الشعر، إزالة الدهون، الوشوم، الحلق، إلخ... ، وهذا هو خيارنا الشخصي. كبشر، لدينا الإمكانية والامتياز لخلق أنفسنا، فلماذا علينا الحكم على تلك الأمور؟

-- كتابة سليم