يوميات أمّ بقلم جيمّا جوستو
أين اختفت القابلات التقليديات؟ في قريتي، في منطقة نائية في شمال الفلبين، كان التّوليد ممارسة منزليّة. أمّا الآن، فيمنعه القانون: يجب على المرأة أن تذهب إلى المستشفى للولادة. لماذا تمّ إضفاء طابع طبّي على هذه التجربة بهذه الطريقة؟
لقد أصبحت أمّا في سنّ مبكّرة من العمر، في الـ 21. لقد أنجبت في المنزل. بعد عامين، كان لديّ طفل ثان أنجبته في المنزل كذلك. أمّا طفلي الثّالث، فكنت ملزمة بتوليده في المستشفى. في ذلك الوقت، اختبرت صدمة حياتي. في المنزل، كنت أركع على كرسيّ صغير أثناء المخاض، بطريقة تُريحني وتُساعدني على الدّفع. أمّا أثناء وجودي في المستشفى، فقد تمّ وضعي في سرير رغوي جعلني أشعر أنّني أغرق، ورُفعت قدماي إلى فوق. في وقت لاحق، جاء أحدهم ووضع أصابعه في داخلي لقياس الفتحة، فشعرت كأنّه دفع طفلي إلى الوراء. أخبرت قابلة المستشفى أنّ مياهي قد نزلت، فوجدت نفسي أضحوكة لديهم: "أوه، بربّك! إذا نزلت مياهك، يجب أن يتبعها الطفل". ألححت من على زوجي لكي يعثر على الطبيب ويطلب منه أن يأتي ويراني، لأنّني كنت على وشك الولادة. عندما وصل الطبيب، أدرك أننّي كنتُ مبلّلة تماما، فقام بإسعافي إلى في غرفة العمليات. ولكن لم أتمكّن من الدّفع بعد ذلك، إذ أنّي فقدت كلّ ما لديّ من قوّة أثناء الدّفع. فقالوا أنّهم مضطرّون للقيام بعمليّة جراحيّة، وإلا سوف يجفّ الطّفل. لماذا كانت هذه الجراحة ضرورية؟ لماذا وجب عليّ أن أخضع إلى عمليّة قيصريّة، في حين كنت قد ولّدت طفليّ الأوّلين بطريقة عاديّة؟ لماذا لم يتّبع الموظّفون مبادراتي، ولم يستمعوا للأشياء التّي طلبتها منهم ورأيتها ضروريّة؟ لقد بقيت أطلب سريرا صلبا، على سبيل المثال.
بعد تسعة أيام من الولادة العادية، عادة ما تلتئم الأمّ. ولكن بعد مرور شهر، لم يزل الجرح طازجا، ولم أستطع استرجاع حياتي الطبيعية (حمل أشياء، وأخذ حمام، وما إلى ذلك) إلى أن مرّت ثلاثة أشهر على الأقل. لقد أرضعت طفليّ الأوّلين، دون الاضطرار إلى تناول المضادات الحيوية أو أي دواء. بعد ثلاثة أشهر من ولادة الطفل الثالث، لم يكن لديّ المزيد من الحليب لإرضاعه. أردت أن يكون لي نصف دزينة من الأطفال، ولكن بعد هذه التجربة، قررت أنّني لا أريد المزيد منهم.
في ذلك الوقت اكتشفت أنّ مساعدة قابلة القرية التقليدية ثمينة جدّا. عندما كنت في المخاض بطفليّ الأوّلين، استجابت القابلة لأي شيء أودّ أن أقوله بحلّ مريح. كانت تفرك الزّيت على بطني وظهري، وتستخدم يديها كما لو أنّها تضع الطفل في المسار الصحيح. بدا ذلك كأنّه ضرب من السّحر. في المستشفى، كانوا فقط ينظرون إليّ وينتظرون. كانوا دائما على عجلة، لأنّ الانتظار هو مضيعة للوقت، والوقت هو المال بالنسبة لهم.
ما أودّ قوله هو أنّنا نحن النّساء نملك المعرفة عمّا هو أفضل لأجسادنا. معظم الأطباء رجال: وهم يعرفون كيفية القطع، ولكنّ تلك هي فقط الوسيلة السّهلة والضّارة، والتّي تدرّ عليهم بالمال، ولكنّها ليست مربحة بالنّسبة لنا. لماذا يجب أن نضفي صبغة طبّية على كلّ الأشياء في عالمنا الحديث، لماذا يجب على أجسادنا وصحتنا أن تُفيد الصّناعات الصيدلانية، في حين أنّنا نملك هبة المعارف التّقليديّة والأدوية العشبية التّي منحتنا إيّاها أمّهاتنا؟
لماذا يجب بالضّرورة، على شيء يأتي بحال طبعه لكثير من النساء مثل المخاض، أن يُصبح عملا تجاريّا، يُدار من قبل "أخصّائيين" لم يمرّوا بتجربة التّوليد، ولا يتعاطفون مع الأمهات اللّواتي تطلبن المساعدة؟ لماذا أصبح التّوليد في المنزل، في كثير من أنحاء العالم، بضاعة فاخرة، متاحة للأغنياء فقط، في حين أنّ عامّة النّساء تضطررن إلى الذّهاب إلى غرفة العمليّات وإلى وضع أجسادهنّ تحت السّكين؟ إن الوهم الذي تبيعه هذه المستشفيات يفشل في مواجهة الواقع: ففي قريتي، قمنا بولادة الأطفال في بيوتنا دون أيّة مضاعفات، في حين أنّنا دفعنا في المستشفيات فواتير مكلفة لكي نضع أجسادنا كمأدبات للمشرط. ذلك لم يشعرنا بالأمان إطلاقا.
أنا أشجّع النّساء النّسويات والقابلات في جميع أنحاء العالم، وخاصّة في القرى، على تحقيق الازدهار لهبة توليد الأطفال، وهي هبة نحن بصدد فقدها، إن لم نكن قد فقدناها بالفعل، بفعل المؤسسات الطبية والصناعات الصيدلية. دعونا لا نفقد المعرفة والمهارات والعمل والممارسة التّي وضعتها النّساء على مرّ القرون بمفعول النّظام الرّأسمالي الذّي يحوّل كل جانب من جوانب الحياة، مهما كان حميميّا، إلى سلعة. أجسادنا كفتيات ونساء وأمّهات، تؤخذ باستمرار بعيدا عنّا، يقع إنتاجها، السيطرة عليها، والتّخلص منها. حياتنا الجنسيّة والوظيفة الإنجابية تصبحان مسائل مناقشات ساخنة يُسيطر عليها الرّجال المهيمنون والمؤسسات الأبوية. وتصبح تجربة الأمومة مستعمرة مثل أجسادنا، وتُدار، وتسُوء إدارتها، ويقع تطبيبها تحت ادعاءات كاذبة بالحفاظ على السّلامة. أجسادنا هي ملكنا، ونحن بحاجة إلى استعادتها في وقت تقوم فيه بإدخال أجساد أخرى على هذا العالم. فلنجعل الولادة عملا من أعمال التّحرر.