لماذا أدفع أكثر؟
الضريبة الوردية أو الضريبة الأنثوية (pink tax) هي الزيادة في ثمن المنتجات على أساس التمييز الجنسي، فتدفع النساء أكثر لشراء نفس المنتجات لمجرد تغليفها في عبوات وردية أو بنفسجية اللون رغم احتوائها على نفس مكونات المنتجات التي يتم تسويقها للرجال.
سمعت مصطلح الضريبة الوردية من سنتين أو أكثر، فهمت انها الضريبة المفروضة على النساء لمجرد أنهم نساء، وكانت الأمثلة التي تعرض دائما تركز على منتجات العناية الشخصية والفرق في الاسعار بين الموجهة للرجال وتلك الموجهة للنساء كالفرق في أسعار شفرات الحلاقة، وامتدت الأمثلة لمسكنات الألم وتلك المروج لها على أنها مسكنات لآلام الدورة الشهرية وهي تحتوي نفس المواد الفعالة للمسكنات الأخرى. بالوقت امتد المصطلح في عقلي لبعد آخر، كم ندفع نحن النساء مقابل أن نعيش في محيط آمن؟
لم استقل ماديا بعد، ولكن مارست جزء من حياة الفتيات المستقلات بالقاهرة بالدراسة فيها لمدة خمس سنوات، عشت في أكثر من أربع مساكن لكل منها ظروفها الخاصة كأماكن وكأشخاص، وبحثت عن مكان للسكن مرات عديدة.
اختيار المسكن لا يعتمد على جودته فقط، ولكن يعتمد أيضًا على البيئة المحيطة به، أو بالأحرى على الرجال المحيطين به. إن كانت ميزانيتك محدودة ولجأت للمناطق الشعبية فأنت تمضين عقدًا ضمنيًا انك ستلتزمين بعرف الشارع مقابل أمانك، وأي خروج عن عرف الشارع يعني زيادة احتمال تعرضك للخطر. هذا ما فعلته لأكثر من سنة حين اخترت السكن في مكان شعبي بالقرب من الجامعة التي أدرس فيها، عقدًا ضمنيًا أنني لن أتأخر عن ميعاد محدد وأن ملابسي لن تتجرأ وتخالف عرف المنطقة. بالنسبة للرجال فلا يوجد ذلك العقد، فهم ينطلقون في الشارع في أي وقت بأي شكل دون أن يتعرض لهم أحد، بل ينشطون ليلًا حين يكون الشارع ملكًا لهم بالكامل وأي أنثى تعبر به فهي هدف محتمل وإن مرت بسلام فهذا كرم وفضل منهم وعليها ألا تكرر هذه التجربة ثانية. أتذكر مرة عدت للمنزل بعد الحادية عشر ليلا فتوقف أمامي شاب لا أعرفه فقط ليخبرني بأنني عاهرة.
إن كانت ميزانيتك تسمح للخروج من المناطق الشعبية فاختيار المسكن يمر بعدة أسئلة لا يسألها الرجال، هل المنطقة آمنة ليلًا؟ هل المنطقة تسمح بارتداء ملابسي بحرية؟ هل هناك جار متشدد دينيا سيفرض سلطته علي داخل مسكني؟ هل هناك جار متحرش؟ هل هناك حارس عقار سينغص علي أيامي بتحكمه في مواعيد خروجي ورجوعي؟ كل ذلك يرفع من قيمة العقار، المناطق الآمنة للنساء أغلى بشكل ملحوظ عن تلك المفتوحة أمام الرجال في أي وقت.
لمدة قصيرة كنت أتشارك السكن مع ثلاث فتيات تختلفن عني قليلًا، ظاهريا، فأنا أشبه أي فتاة تنتمي للطبقة المتوسطة المحافظة في مصر، أرتدي الحجاب وملابسي عادية يقبلها الشارع والعرف، أما هن فغير محجبات ولا ينتمين للطبقة المحافظة في مظهرهن، والنتيجة لذلك أنهن يتجنبن السير في الشارع أو حتى الوقوف به لدقائق، ويعتمدن بشكل رئيسي في تنقلاتهن على خدمات النقل الخاصة مثل أوبر حتى يتجنبن المضايقات والتحرش في المواصلات العامة. كنت أرى كيف يستنزف ذلك مواردهم المادية المحدودة كمستقلات ولكن كان من الصعب التخلي عن ذلك، فالتخلي عن ذلك يعني التخلي عن مساحة كبيرة من الأمان والحرية. كلنا نتجنب المواصلات العامة فكلنا تعرضنا للتحرش أو على الأقل المضايقة فيها، ونتيجة ذلك ندفع أكثر من الرجال في التنقلات، فالانتقال من نقطة لنقطة للرجل قد يعني أوتوبيس واحد بجنيهات معدودة، أما بالنسبة للنساء خاصة مساء فقد يعني سيارة أجرة خاصة بأضعاف ذلك المبلغ.
أفكر دائما في الفرق الذي ندفعه نحن النساء في حياتنا اليومية، فبخلاف السكن والمواصلات هناك أشياء بسيطة كالجلوس مع الأصدقاء. إن كنت رجلا ببساطة يمكنني الجلوس في أي مقهى، في أي وقت وفعل ما يحلو لي، ولكن أنا امرأة، إن أردت الجلوس في أي مكان مع اصدقائي فعلي اختيار محيط آمن. لا تتوفر المقاهي الآمنة للنساء في كل مكان، وعلي أن الجأ لل Coffee shop أو المطاعم وحتى هذه الأماكن لا تخلو من المضايقات، ولكن يتحول الأمر من جلسة تكلّف بعض الجنيهات الى جلسة تكلّف أضعاف ذلك.
نحن النساء لا نحصل على مرتبات أعلى من الرجال، بل هناك أرباب عمل يعطون النساء مرتبات أقل، إذا لماذا ندفع أكثر؟