المنزل كحقل ألغام لنا ككويريات وترانس*: أفكار من حلقة التضامن

الرسمة لـ @skinsells

النّص التالي مترجم عن النّص الأساسي من اللغة الإنكليزيّة.

كُتِبَ هذا النّص بالتعاون مع نادي الجندر والجنسانيّة في جامعة القدّيس يوسف بعد نقاش دار في حلقة تضامن جمعت عدد من أعضاء النّادي مع عدد من أعضاء مشروع الألف. تهدُف حلقات التضامن إلى تسهيل عمليّتي التفكيك والتنفيس عن الواقع المعقّد، وبهذه الحلقة تَشارك أشخاص كويريّين/ات وترانس* في التعبير عن أفكارهم/ن ومشاعرهم/ن حول مساحات المنزل وديناميّات الأسرة، لا سيّما في ظلّ جائحة كوفيد 19 وما ترتب عنها من إقفالات متكرّرة. مع الحفاظ على مجهوليّة وخصوصيّة الأفراد المشاركين/ات في حلقة التضامن، ننشر هذا النّص لتعميم أبرز النّقاط التي تمّت مناقشتها والتوصّل إليها، على أمل أن تساهم في التقليل من الشعور بالعزلة لدى الأشخاص الذين يشاركوننا في تجارب وصراعات مماثلة.

في ما يلي بعض من الأفكار التي تمت مناقشتها...

هل نحن جزء من مجتمع ما؟

لنفهم كيف ننتمي إلى مجتمع معيّن، علينا أن نفهم أوّلاً أن ما يجمعنا كأفراد في هذا المجتمع من خصائص أو تجارب مماثلة لا يعبّر بشكل كافٍ عنّا، بالرغم ممّا قد تعني لنا هذه الخصائص أو التجارب وأهميّتها في حياتنا. علينا ألّا ننزلق نحو محي الاختلافات بين أفراد مجتمع معيّن فقط للتأكيد على أحقيّة ما يجمع بينهم/ن. توصيف مجموعة من الأشخاص بصبغة واحدة يزيل التعقيد الذي يحاكي تجاربهم/ن، ويُهمِل الحاجات والصراعات الأخرى غير المتعلقة بأُسس وجودهم/ن ضمن هذا المجتمع. وبالتالي هذا يُضعف من الشعور بالانتماء إلى المجتمع الذي ينظر إلى أفراده من خلال عدسة ضيّقة ويصرف النظر عن صراعاتهم/ن الأخرى. أمّا عندما نعي للاختلافات التي تؤثر على القواسم المشتركة بيننا - أي الظروف الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة التي تحكم حياتنا – فيصبح بامكاننا بناء مجتمعات أكثر قوّة وصدق وشموليّة وإمكانيّة. لذا، الانتماء إلى مجتمع الكوير والترانس* لا يعني بالضرورة أن تجاربنا كأفراد فيه مطابقة، بل هي متنوّعة وهذا أمر عادي. نحن نرفض الضغط الداخلي والأحكام المطلقة من ذلك المجتمع، كما نرفض الضغط الخارجي الآتي من الثقافة المثلية والتي تحاول صقل كويريّتنا  وتعبيرنا الجندريّ لتناسب قالب محدد من عدم المعيارية يجب ألّا يكون موجوداً.     

هل علينا أن نبني فقاعات ونعيش داخلها؟

تختلف مفاهيمنا الخاصّة وتصوّراتنا عن أهميّة ومعنويّة المجتمع بالنسبة لنا. في حين يرى بعضنا المجتمع على أنّه إضافة إلى شبكات الدعم الموجودة أصلاً، البعض الآخر يعتمد أكثر على المجتمع باعتباره عائلة بديلة – فقاعة نختبر فيها حريّة أن نكون أنفسنا. قد يستحيل علينا العيش خارج فقاعات، ليس فقط كأشخاص كوير وغير ممتثلين جندريًّا، بل أيضاً لأن الجميع بحاجة إلى مساحة تنفُّس نشعر داخلها أنّ أحداً ما يسمعنا ونكون فيها غير وحيدين. غالباً، قبل أن نستطيع بناء فقاعات خاصّة بنا ونستريح داخلها، نحاول الدخول في فقاعات ومساحات موجودة أصلاً. فيما يتعلّق بالجنسانيّة والجندر، بعض الفقاعات تقيّم انتماء الأشخاص لها بناءً على إذا ما كانوا قد "خرجوا من الخزانة" (أي أفصحوا عن هويّاتهم/ن أمام عائلاتهم/ن)، الربط المغلوط بين الإفصاح والشعور بالفخر أو عدم الشعور بالعار ، والتشكيك بأحقيّة وشرعيّة تجارب من هم/ن بحاجة إلى مساحات داخل فقاعات. هذا التوقع من الأشخاص يساهم في ترسيخ فكرة أنّ العائلة هي البناء الاجتماعي الأهم، البناء نفسه الذي غالباً ما يُرتَكب ويُبَرَّر في ظلّه العنف ضد الأشخاص الكوير والترانس*. الإضعاف من شرعيّة العائلات المختارة/الفقاعات، يديم بشكل غير مباشر النظام الذي يزدهر بفضل العائلات التي تجمعنا فيها روابط دمّ كوحدات اجتماعيّة واقتصاديّة تعيد إنتاج قيمه. وبالتالي، استعادة قدرتنا على اختيار الأشخاص الذين نبني معهم/ن علاقات ثقة هو بذاته فعل تحدٍّ ومقاومة.  كثيراً ما يتم الخلط أيضاً بين السريّة والإفصاح أو "الخروج من الخزانة" الانتقائي (العيش في فقاعات)، في مقابل الخصوصيّة. تسييس الفرق بين السريّة والخصوصيّة يكمن في الدلالات المختلفة لهما. السريّة سيّئة، خادعة، ماكرة؛ بينما الخصوصيّة فهي تحفّظ، ائتمان، وحميميّة. لماذا إذاً، عندما يختار الأشخاص الانتقائيّة فيما يخص بالإفصاح عن أمور متعلّقة بجنسانيتهم/ن، تُعتبَر سريّة وليس خصوصيّة؟

الأسرار الجيّدة والأسرار السيّئة. أين نرسم الحدّ الفاصل بينهما؟

أن نكون جزءاً من عائلة تربطنا فيها علاقة دمّ يحتّم علينا أن نتعلّم الأشياء التي يمكننا مشاركتها خارج العائلة والأشياء التي لا يمكننا مشاركتها. نتعلّم بأنّنا ملزمون بالمحافظة على بعض الأسرار لأنها أسرار العائلة، ويجب ألّا تُفشى أمام الناس. هذه هي "الأسرار الجيّدة". قدرتنا على المحافظة على هذه الأسرار هي شهادة على ولائنا للعائلة. لماذا؟ لأنها تساعد على الحفاظ على صورة العائلة المتماسكة، بصرف النظر عمّا يجري خلف الأبواب المغلقة (كالعنف المنزلي)، ويساهم في ترسيخ وهم صحّتها ووظيفيتها.  ماذا عن الأسرار التي تهدّد هذه الصورة؟ هذه هي "الأسرار السيّئة". الفرق بين الأسرار السيّئة والجيّدة هي ببساطة الفرق بين ما يمتثل ويرسّخ قيم العائلة وهيكليّتها وما لا يفعل ذلك. تعرّف القيم العائلية "السّر السيء" أيضاً كأيّ فعل أو شعور لا يرتاح الفرد (باستثناء من يلعب الدور الأبوي) بمشاركته مع أفراد آخرين ضمن العائلة، وكإنّ كُل شيء يُخفى هو سيء جوهرياً. ولكنّ بالتأكيد المنطق نفسه لا ينطبق على الصدمات الجماعيّة والعنف الذي يمارس داخل العائلة واللذين يجب أن يتم اخفائهما عن العالم الخارجي. بالتالي، أن نعيد تعريف كيف نصف ونفهم "الأسرار" قد يحرّرنا من العار الذي يُلحق بنا بحكم هويّاتنا. وقد يساعدنا ذلك أيضاً على التصالح مع المشاركة الانتقائيّة أو حجب أجزاء من أنفسنا، وفهم ذلك كفعل خصوصيّة، اختيار، حماية، أو حتى نجاة – الأمر الذي يجعلنا نراها على أنّها "سرّ جيّد".    

ما هو الفرق الحقيقي بين العائلات المختارة/البديلة والعائلات الأوليّة/ التي تجمعنا بها قرابة دمّ؟

واقعيًّا، وفي ظلّ غياب شبكات حماية اِجتماعيّة واِقتصاديّة، يصعب علينا النجاة دون الحاجة إلى الاعتماد على الفرص والموارد التي تقدمها لنا عائلاتنا التي تجمعنا فيها علاقة دمّ. ليس الهدف مما يلي من حديث التشجيع على الإبتعاد عن العائلة الأوليّة، بل هو محاولة لفهم عدم التصديق، الخيبة، والجرح العاطفي العميق الذي نحسّه عندما نشعر أننا خسرناها.

بحكم علاقات الدّم التي تجمعنا بعائلاتنا الأوليّة، غالباً ما نُستمال إلى فكرة أن الحبّ الذي نشاركه مع أفرادها هو حبّ غير مشروط، على عكس الحبّ الذي يمكن أن نختبره مع الأشخاص الآخرين. هذه الفكرة سرعان ما تتبدّد عندما نعاني من الرفض من العائلة نفسها التي وعدتنا بحبّ غير مشروط، وحين يُطلب مِنّا أن نتغيّر لنحصل على حبّها. هذا الأمر مهم جدًّا لمحاولة فهمنا لحبّ لعائلة الأوليّة، الذي قد يُستخدم كآداة تلاعب بدلاً من أن يكون شكلاً نقيّ من الحبّ الذي يتجاوز كلّ شيء (غير مشروط). إذا أزلنا عدم الاشتراطيّة من المعادلة (التي هي غير موجودة فعليًّا)، نكتشف أنّ هناك احتمال آخر للحبّ الذي يمكن أن نختار أن نشعر به ونسعى إليه، وهو الحبّ للعائلات البديلة. مع قدرتنا على الاختيار، نكتسب أيضاً مرونة أكبر في التفاوض، وقدرة على تحميل المسؤوليّة للأشخاص الذين يحبوننا ويتسبّبون بجرحنا – الأمر الذي يجعلنا نتصالح مع الاشتراطيّة (قدرتنا على رسم حدود وشروط) كشيء جيّد. لعلاقاتنا بعائلاتنا الأوليّة ميل أكبر لأن تكون اعتذاريّة، وغالباً ما نضطر للمساومة والتضحية مقابل الحصول على الحبّ والمحافظة على السلام داخل العائلة – حتى عندما يتسبّب لنا هذا الأمر بالأذيّة والألم. في المقابل، عائلاتنا البديلة والمختارة تمكننا من تحديد ديناميّات أكثر صحّة، حيث يتم تعريف واحترام الحدود بشكل أسهل.

---

النقاش الذي دار في حلقة التضامن هذه جاء بالتزامن مع الوقت الذي تمّ فيه حثّ الأشخاص على ملازمة البيت حفاظاً على سلامتهم في ظلّ إنتشار فيروس كوڤيد19. لكنّ هذا السرد الجماعي للتدابير الوقائيّة يفترض أنّ سلامة الأشخاص مهدّدة حصراً جرّاء انتشار الڤيروس، وأن البيوت بالضرورة هي مساحات آمنة. في حين قد تنطوي كلمة "بيت" على معاني من الدفء والأمان عند بعض الأشخاص، إلّا أنها قد تعني أيضاً الغربة والإبعاد بالنسبة لآخرين. كنا قد شهدنا على ارتفاع عالمي هائل في عدد وفيات النساء جرّاء العنف المنزليّ خلال ما سُميَ ب"جائحة الظلّ". لذا، وفي سبيل استمرار الكشف عن العنف والقمع الأبوي والمعياري المميِّز لصالح المغايرة الجنسيّة، هذا النصّ هو تذكير بأنّ هناك أشخاص يعانون بسبب الجائحة بشكل متزايد، لا سيّما الأشخاص الكوير والترانس*، والأشخاص الذين تمّ الحدّ من وصوليّتهم إلى مساحات بديلة وفقاعات آمنة، والأشخاص الذين يصارعون داخل منازلهم وعائلاتهم.

نود أن نستغلّ هذه الفرصة لنذكر بأنّ الخطّ السّاخن للجنسانيّة لمشروع الألف يرحّب بالأشخاص الذين واللواتي يرغبون بالحديث مع أحد أو التفكير بصوت عالٍ حول هذه القضايا، أو أيّ موضوع يتعلّق بالعدالة الجندريّة، الجنسانيّة، والصحّة والحقوق الجنسيّة والإنجابيّة.