cover

ضد الطبيعي: ثالث تقرير للخط الساخن

في تقرير الخط الساخن للجنسانيّة لعام 2018، قمنا بتحليل الاتصالات من منظار السلامة النفسيّة والعاطفيّة. هذا العام، سننظر كيف تؤثّر مفاهيم العاديّ وغير العاديّ، الطبيعيّ وغير الطبيعيّ، بعمقٍ على العديد من جوانب الجنسانيّة، الجندر، والصحة النفسية والإنجابيّة للمتّصلات/ين. ليس الطبيعيّ طبيعيًّا كما يقال لنا. في الواقع، ما توصّلنا إلى إدراك أنّه طبيعي،ّ ليس سوى بناءٍ اجتماعيٍّ أُنشئ لخدمة مصالح سياسيّة تصبّ في الحفاظ على الوضع الراهن. حتى اللغة المستخدمة في توصيف ما العاديّ من عداه، تنتهي بتعزيز للطبيعيّ مقابل غير الطبيعيّ، عازلةً بذلك، ومقوّضةً مَن ﺗ/يخرج عن الأعراف المتعلّقة بالجندر والجنسانيّة.

أحيانًا، يعطي الادعاء بأنّ أمرًا هو عاديّ أو طبيعيّ، وهمًا بالراحة وربّما شعورًا اعتذاريًا حتّى، بالانتماء حيث لا ينتمي المرء، ولكن نكون في النهاية نطبّق مبادئ نمطية على مرونة كلّاً من الجندر والجنسانيّة، وننكر التنوّع الجوهري في هذه التجارب. التشكيك فيما تعلّمناه وسؤال أنفسنا: "لماذا يُنظر إلى هذا على أنه عاديّ أو طبيعي؟"، "هل قرر شخص ما نيابة عني ما إذا كان هذا أمرًا طبيعيًا؟"، أو "من الذي يستفيد من وصف هذا بأنه طبيعي / غير طبيعي؟" يسمح لنا بإعادة التفكير في سبب اعتبار النمطي جيدًا أصلًا، وغير النمطي سيّئًا. 

من المهم إظهار الاختلافات وعالم الاحتمالات الواسع المندرج تحت غير الطبيعيّ، وربما حتى إعادة بناء حالة طبيعيّة أقل صرامة، لنثبت أنه لا توجد قواعد بدون استثناءات. لماذا علينا الإيمان بالطبيعيّ الذي يُستخدم ضدنا باستمرار، في حين أنّه يمكننا إعادة تخيّل طبيعيًّا جديدًا يشمل فهمنا للعالم ويشمل مجموعةً أوسع من تجاربنا؟ ليس هدفنا في هذا التقرير هدم معايير الجنسانية والنوع الاجتماعي في لبنان (وهذا غير واقعي أساساً)، وبالتأكيد الهدف ليس في استبدال نمط قديم بنمط جديد (وهذا منافق للغاية) ؛ بل يأمل هذا التقرير ببساطة أن يسلّط الضوء على عجز النمطية على مواكبة نفسها وانّها فعلاً غير طبيعية البتّة، وأن يٌظهر كيف تتمظهر مسألة العاديّ في التعاملات اليومية مع الجنسانيّة، الجندر، والعلاقات والصحة الجنسية والإنجابية. 

يعكس الإصدار الثالث من تقرير الخط الساخن للجنسانيّة لمشروع الألف البيانات التي تم جمعها عبر المكالمات / المحادثات / رسائل البريد الإلكتروني التي تم إجراؤها على الخط الساخن في عام 2019. تلقّى الخط الساخن مجموع 441 مكالمة من كانون الثاني (يناير) 2019 إلى كانون الأوّل (ديسمبر) 2019. غالبية المتّصلات/ين من النساء، لبنانيّات، تتراوح أعمارهن بين 20 و 25 عامًا. على غرار السنوات السابقة، غالبية المتصلات/ين من بيروت. لكن على عكس السنوات السابقة، تلقّت مرشدات الخط الساخن عددًا متزايدًا من المكالمات من شمال وجنوب لبنان، وما يقارب نصف المكالمات التي تلّقاها الخط الساخن هذا العام كانت من متّصلات/ين جدد، يبحثن عن معلومات و/أو شخص ما للتحدث. 

يعدّ تقرير الخط الساخن هذا العام بمثابة دليل على القيود المفروضة على المعرفة الصحية والوصول إليها، من خلال التوقعات الاجتماعية التي تحاول الحفاظ على المُثل والأخلاق ومسارات النمطية الغيريّة. يمكن تصنيف كل المكالمات التي أُجريت على الخط الساخن هذا العام على أنها تمثّل تحديًا أو تشكيكًا في الهياكل الاجتماعية المفروضة علينا. كوّنت المواضيع المتعلقة بالهوية الجندريّة، العلاقات، الميول الجنسي، الجنس، المتعة، والعذرية أكثر من مائتي مكالمة على الخط الساخن. واحد وأربعون مكالمة ناقشت مُثل وأخلاقيّات الأبويّة الطبيّة والغيريّة القسريّة. مئتان وعشرون مكالمة تناولت مواضيع الحمل غير المرغوب به ووسائل منع الحمل – وهو تحدٍّ للتوقّعات الإنجابيّة للنظام الأبويّ الغيريّ من قبل الذين/اللواتي تم تعيينهمن إناثًا عند الولادة. ناقشت مكالمات أخرى العنف الجنسيّ، وتحدّت التوقع الجندريّ بالتزام الصمت والتطبيع مع الأمر كموضوع محظور أو تابو. بموضوعات يتم تعييبها وربطها بالانحراف وانعدام الأخلاق، كالالتهابات المنقولة جنسيًّا، ﺑﺤﺜﺖ المتّصلات/ﻮن عن معلومات حول أجسادهمن لا يمكن الوصول إليها أو محجوبة عنهمن عمدًا. تساءلوا عن كيفيّة تأمين ما يردنه لسلامتهم/ن متجاوزات قيود السلطة الدينية، سلطة العائلة، والنظام القانونيّ: جميعها كيانات سلطةٍ تعلّمنا الّا نعصيها. بشكل عام، شهد الخط الساخن على العبء الذي تختبره المتّصلات/ﻮن جرّاء محاولة التوفيق بين التماهي مع وعدم التقيّد بتوقعات معايير الجنسانية، وكيف أنّه، بالفعلا، لا يوجد فيها شيء "طبيعيّ". هذا التقرير هو انعكاس متواضع لتناقضات معايير الجنسانية، والواقع القمعيّ المنسوب للعديد ممّن يردن تحدّي هذه الأعراف.

لقراءة التقرير الكامل هنا