مشكلة العمل الجنسي ليست الجنس

النص التالي مقتبس من كتاب "المومسات المتمردات: النضال من أجل حقوق عاملات الجنس" لمولي سميث وجونو ماك، ترجمة سارة قدورة

مقدمة مشروع الألف:

أحببنا أن نترجم النص التالي لأنه كُتب من قِبل عاملات جنس أولاً، وانطلاقاً من إيماننا بأهمية إعطاء المنصات المتاحة لأي نقاش إلى المعنيات به مباشرةً. فنحن في مشروع الألف لدينا موقف واضح من العمل الجنسي، يتمركز في دعم العاملات فيه للتنظيم والحصول على المصادر الضرورية لتحسين شروط العمل والشعور بالسلامة والحماية. كما أننا ندعم أصوات من ترغبن في ترك العمل لأي سبب كان، لا من مبدأ أن العمل الجنسي بحد ذاته عمل سيء أو لا أخلاقي، أو حتّى ينتقص من قيمة وكرامة العاملات فيه، بل لأننا نعارض مفهوم العمل مقابل الأجر كضرورة للعيش تحت الرأسمالية، ونطمح بالوصول لمجتمع لا تعتمد فيه قدرتنا المعيشية على نوع عملنا أو حتى إمتلاكنا لوظيفة.

لذا، النص بالنسبة لنا هو إضاءة على أهمية رؤية العمل الجنسي كعمل، لا أكثر ولا أقل، كي تستطيع العاملات التنظيم، وكي يتم حمايتهن من قبل قوانين العمل والنقابات. معاملته كعمل لا يعني تجميل ظروفه، وهي ظروف ممكن أن تكون صعبة وعنيفة على النساء لطبيعتها كعمل مجندر، تماماً مثل أعمال مجندرة أخرى كالعمل المنزلي والتمريض والعمل الاجتماعي، الخ. بل هي مجرّد خطوة أولى لوضع قوة المفاوضة في يد عاملات الجنس.

قراءة ممتعة.

---

تحت الرأسمالية، ليس عليكِ أن تحبِّي عملكِ لتبقي فيه.

أغلب العمال والعاملات يعانون من ظروف غير عادلة في أماكن العمل، وبديهياً فلن يؤدوا أعمالهم تلك دون مقابل. لا يعني ذلك أن هذا الوضع مثالي، وأن علينا تقبلع لكونه طبيعياً، وليس من المفيد الإدعاء أن العمل [تحت الرأسمالية] بشكل عام أمر رائع. بعض العمال والعاملات محظوظون كفايةً ليتقاضوا معاشاً جيّداً ويقوموا بأعمال ذات معنى ويمتلكوا سيادة القرار عليها، لكن أغلبنا يشعر بالطرف الحاد للاستغلال بشكل أو بآخر.

نبدأ بذلك لأننا كعاملات جنس يناصرن إلغاء تجريم العمل الجنسي لاحظنا مشكلة أساسية فيما يتعلّق بالنقاش العام، في الصراع حول ضرورة تشريع العمل الجنسي. ينطلق طرفا النقاش من الإيمان بأن العمل تحت الرأسمالية في جوهره أمر جيّد، لكنها يختلفان على ما إذا كان العمل الجنسي عمل جيّد. يرى الجانبان العمل إذاً كفعل يتوجب أن يحقق العامل/ة من خلاله ذاته/ا، غير استغلالي، وممتع. يُعامل الإنحراف عن هذا النمط كدليل على أن فعلاً معيّناً لا يمكن أن يعتبرعملاً. "ذلك ليس عملاً. ذلك إستغلال"، تسمعين ذلك التفريق كثيراً. أخبرت إحدى صانعات السياسة النسويات من السويد مراسلاً، "لا تقل عمل الجنس، فهو كريهٌ لدرجةٍ لا تخوله بأن يكون عملاً." إذاً، يتم وضع كلّاً من الكراهة والعمل أمام بعضهما كأنهما متضادين: إذا الدعارة كريهة، لا يمكنها أن تكون عملاً. نجد أنّه أكثر إثماراً إذا بدأ النقاش من مكان مختلف: ليس من المنطقي اعتبار أن أي نوع عمل – من ضمنه العمل الجنسي – بأنّه جيّد بحد ذاته. غالباً ما يعتقد غير العاملين في مجال الدعارة أن العمل الجنسي هو عمل شنيع، وتوافق مع ذلك العديد من عاملات الجنس. لكن ربما لن تجد العاملات الشناعة في الجنس كفعل، بل في العمل.

غالباً ما تسأل النسويات المناهضات للدعارة وصانعات السياسة عاملات الجنس ما إذا كنً سيمارسن الجنس مع الزبائن في حال عدم تقاضيهن أجراً في المقابل. يتم إذاً إعادة رسم العمل كفعل ملبٍّ للذات بشكل شخصي لدرجة تجعلك تؤدينه مجاناً. 

هذا الفهم مُرسَّخٌ بالطبع في نشاطات جمعيات مناهضة الدعارة، ويظهر في انتشار دوراتها التدريبية غير المدفوعة. جمعية المساواة الآن (Equality Now)، وهي جمعية مليونية مناهضة للدعارة، تخبر المسجلين لديها بأن دوراتها غير مدفوعة (وتضيف أنها "غير قادرة على توفير سكن أو تأشيرة سفر"). كما تروج جمعية "روحاما" (Ruhama) عديدًا من الأعمال التطوعية رغم سهولة تحويلها إلى أعمال مدفوعة الأجر. وأيضًا روَّجت جمعية "أطفئوا الضوء الأحمر" (Turn Off the Red Light)، وهي اتحاد منظمات غير حكومية إيرلندية مناهضة للدعارة، لشواغر تطوعية لن يُدفع لشاغلاتها الحد الأدنى من الأجور. ما ينتج عادةً عن الدورات التدريبية غير المدفوعة أو ذات الأجور المتدنية أن النساء اللواتي يتمكنَّ من بناء سير مهنية في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، أي تنظيم الحملات وصياغة الأجندات للسياسات حول الدعارة، هن نساء لديهن القدرة المادية لأداء أعمال بدوام كامل وغير مدفوعة في مدن "كنيويورك" "ولندن". وفي هذا السياق فليس من المستغرب أن حركة مناهضة الدعارة بمجملها تنظر إلى العلاقة بين المال والعمل بشكلٍ تجريدي بعض الشيء.

غالباً ما تفتقد النسويات المناهضات للدعارة لنقد مدرك أو متطوّر. قالت إحدى النسويات البريطانيات ذات مرة ساخرة، "هل فكرت يوماً ما بولوج أكثر من قضيب داخلك كوظيفة؟... يزداد مدخولك النقدي كلّما مرّ الوقت على سماحك لذلك. ولكنهم يقولون أنّ هناك فيتيش1 لكل شيء!" النكتة هي أن عاملات الجنس يعتقدن "خطأَ" بأن ما يقمن به هو "عمل"، حتّى إذا كان هذا العمل يميّز بينهن حسب الجنس والعمر. بالطبع، إذا كان التعرّض للتمييز حسب الجنس والعمر في العمل يقصي الشخص من كونه عاملاً، لكان تمّ إقصاء أغلب العاملات الأكبر سنّاً: يزداد التفاوت في الأجر بين الرجل والمرأة مع ازدياد العمر. إذا كان العامل/ة "الحقيقي" الوحيد هو الذي لا يعاني من ظلم أو استغلال في مكان العمل، فكل التنظيم من أجل حقوق العمال والعاملات لا ضرورة له.

يمكن إضافة أغلب الممثلين في الحكومة إلى قائمة الحلفاء المحتملين الفاشلين. منذ فترة، انضممنا لمجموعة عاملات جنس في اجتماع مع وزيرة في الحكومة الاسكتلندية ادعّت رغبتها فهم أسبابنا للعمل في مجال الدعارة. شرحت أم عزباء لعدّة أولاد أنّها بدأت العمل في مجال الدعارة لدعم أطفالها. أخبرت عاملة جنس أخرى أنّ العمل الجنسي كان أحد فرص العمل القليلة المتوفرة لها كمهاجرة غير مسجّلة. شرحت عاملة جنس ثالثة أنّها عندما أعلنت أنّها امرأة عابرة وبدأت بعملية التأكيد الجندري، خسرت وظيفتها المقبولة اجتماعياً. تحدّث عامل جنس عن رهاب المثلية الذي تعرّض له في أماكن عمل أخرى. لم تعجب الوزيرة بأجوبتنا. لاحظت أننا جميعنا بدأنا ببيع الخدمات الجنسية من أجل كسب المال، بطريقة لم تُرِنا أنّها كانت مرتابة فقط، بل أنها ترى أنّ بيع الجنس من أجل كسب المدخول فكرة تشبه الارتزاق للغاية.

يبيع الناس الجنس من أجل المال. دائماً ما تُنسى وتُمحى ويتم التغاضي عن تلك الحقيقة البسيطة. يبدو للعديد أنّه من غير المفهوم القيام بفعل يعتبر غريباً وسيئاً لنفس الأسباب الدنيوية والبسيطة التي تحكم حيوات الآخرين أيضاً. أحياناً، يُخفى تمركز المال في العمل الجنسي لأغراض سياسية. إذا قام سياسي يميني بتقليل أهمية ارتباط العمل الجنسي بمدخول معيشي جيّد، وركّز على كمّ ارتباط العمل الجنسي بعالم الجريمة، سيتجنب الأسئلة المحرجة حول العلاقة بين الدعارة والفقر وسياسات الحكومة – وسيربط السياسات المناهضة للدعارة بالوعود الشعبية للقضاء على الجريمة. على سبيل المثال، لدى ولاية تكساس بعض أشمل القوانين المتعلقة بتجريم القوّادين وتجار الجنس والعصابات المجرمة في الولايات المتحدّة الأميركية. مع ذلك، تفشل دائماً سياسات الولاية بتمويل خدمات ضحايا الاتجار الجنسي، بخلاف فشلها في تمويل البرامج التي يمكنها التعامل مع فقر وإخفاق نظام رعاية الأطفال بشكل جيّد.

التعامل مع عاملات الجنس كغير قادرات على اتخاذ قرارات "جيّدة" وكأنه أمر مرضي، بدلاً من رؤيتهن كأشخاص محفزين بالأسباب العادية والمعروفة والدنيوية، يمكن أن يؤدي إلى عواقب كارثية. في سنة 2013، أقرّت محكمة عائلية سويدية عدم أهلية أم شابّة إسمها ياسمين من معرفة الأفضل لها. قررت المحكمة أن عملها في الجنس ليس وظيفةً مرنةً تعطيها معاشاً جيّداً يخوّلها للعناية بأطفالها بشكل كامل، بل اعتبرته نوعاً من أذية النفس. حكم القاضي، كونها تؤذي نفسها، بعدم أهليتها لرعاية بأطفالها، وأغفل تحذيراتها بأن شريكها السابق كان معنّفاً. مُنِح شريكها السابق حضانة الأطفال. عندما قابلته لترى الأطفال طعنها حتّى الموت. مثَّل التغاضي عن أسباب ياسمين المملة والمادية لممارستها العمل الجنسي أساس رد الدولة غير الكفؤ على حاجاتها. الإيمان بأن عاملات الجنس لا يقمن – وليس باستطاعاتهن أن يقمن – باتخاذ خيارات جيّدة لا يأخذنا إلى يوتوبيا نسوية، بل إلى أشكال من "الإصلاح" التأديبي والإكراهي.

يشبه الاستخفاف بالأبعاد العملية والاقتصادية للدعارة عند النسويات المناهضات له حمل الأثقال الأيديولوجي. على سبيل المثال، تكتب كاثرين ماكنون، "إذا لم يكن هناك مشترين، لن يصبح هناك بائعين، أي تجار البشر." يمحي دمج كاثرين لـ "الأشخاص الذين يبيعون الجنس" بـ "تجار البشر" حقيقة أن الناس الذين يبيعون الجنس مدفوعين بحاجة اقتصادية – حاجة لن يتم حلّها بمحاولة القضاء على الدعارة عبر القانون التجريمي. في النهاية، إذا نسينا للحظة أن عاملات الجنس ينزلن إلى الشارع لأنهن يحاجة للمال، علينا ألّا نُصدم بما سيُستبدل مصدر دخلهن الذي سيخسرنه، أو تداعيات محاولات استعادتهن ذلك المدخول بيأس على سلامتهن. 

أزيلي المال من النقاش وتظهر عاملات الجنس كغريبات أو محطمات. عاملة الجنس، كما يقال أو يلمح، ليست قادرة على فهم مصالحها. على العكس، تتصرف بناءً من صدماتها من مرحلة الطفولة. تجادل المدافعة ومناهضة الدعارة كات بينارد، على سبيل المثال، أن افتراض تاريخ من العنف الجنسي في الطفولة عند عاملات الجنس "منطقي" لأن "العواقب العامّة للعنف الجنسي في الطفولة تتضمن صعوبة في تحديد الحدود الشخصية". تعارض الناجيات والعاملات في الجنس تلك المحاولة للنظر إلى حيواتهن من ناحية مرضية. كما تكتب لوري أدورابيل، "ذلك ليس بسبب نوع من "الحطام" الدائم أو الرغبة في إعادة تمثيل صدمة العنف من الطفولة. بل لأن الناجيات من العنف في الطفولة يفتقدن الدعم العائلي." بكلمات أخرى، الناس الذين يهربون من بيوت عائلة معنفة لديهم رغبة ملّحة بتجنب العودة إليها، وقد يلجأون لبيع الجنس كاستراتيجية لتجنبها. تلك حاجة مادية، لا مرضية.

"الحاجة الاقتصادية هي السبب الرئيسي لدخول النساء الدعارة"، حسب باحثي وزارة الداخلية في المملكة المتحدة. تكتب الأكاديمية جوليا لايت، "تكشف العديد من دراسات أواخر القرن التاسع عشر أنّ حوالي نصف النساء اللواتي كُنَّ يبعن الجنس في بريطانيا كنّ خادمات منزليات، والكثيرات منهن كرهن كرهن عملهن لدرجة تركه طوعاً." تقتبس لايت كلام عاملة جنس من فترة العشرينات وهي تسأل شرطي، "ماذا ستعطيني إذا تخليت عن عمل الجنس؟ وظيفة في محل غسل الملابس بمعاش جنيهين في الأسبوع، بينما يمكنني أن أحصل على 20 بسهولة؟" كتبت عاملة الجنس نيكي روبيرتس في الثمانينات مردّدةً تلك الآراء:

العمل في مصانع حقيرة من أجل معاش متدنّي كان أكثر الأعمال إهانةً واستغلالاً في حياتي... أعتقد أنّه يجب أن يكون هناك تسمية أخرى لنوع العمل الذي تقوم به الطبقة العاملة، تسمية تفرقه عن العمل الذي يقوم به أصحاب الطبقة الوسطى، أولئك الذين يملكون وظائف. كل ما أستطيع أن أفكر فيه هو سخرة. فهو عفن ومحبط، ليس حتّى نصف حياة. أنّه لا أخلاقي. مع ذلك، فالمتوقع من نساء الطبقة العاملة أن يحرمن أنفسهن من كلّ شيء... لماذا عليّ أن أعاني مع أسئلة نسويات الطبقة الوسطى عن لماذا لم "أفعل أي شيء، أو أنظف الحمامات حتّى؟" بدل من أن أصبح راقصة ملهى؟ ما هو التحرّري في تنظيف خراء الآخرين؟"

خلال النظر عبر عدسة الحاجة الاقتصادية، لا تظهر أسباب الناس للعمل في الجنس كانحراف أو فساد، بل كاستراتيجية عقلانية للنجاة في عالم خرائي غالباً.

النساء معرّضات بشكل خاص للعنف الاقتصادي، الذي تظهر الدعارة كالخيار الأكثر منطقية مقابله. يشكل كل من العرق والإعاقة عامل أساسي في ديموغرافيات العمل الجنسي. تكتب بلوما سماق أنّه بالنسبة للناس الملونين "الدعارة ليست ما تقومي به عند وصولك للحضيض، بل ما تقومي به لتجنب الارتطام بالحضيض، لتسبحي بدلاً من أن تغرقي، لتقاومي بدلاً من أن تختفي." تكتب أم ماورية* مجهولة الهوية: "جسدي غير قادر على العمل 40 ساعة في الأسبوع، ولا يسمح لي بأن أصبح مؤهلة للقيام بوظيفة تدفع لي جيّداً. أنا معاقة من العمل، وأنا جزء من مجتمع لا يهتم للناس الذين يشبهونني."

يشكل مجتمع الميم جزءاً هائلاً من عاملي الجنس أيضاً. التمييز والرفض والعنف المنزلي وضمن المجتمعات الأوسع عوامل تزيد من تقلقلهم وضعفهم، لتصبح الدعارة إحدى الخيارات الوحيدة المتوفرة للخروج من حالة الحرمان. تجد النساء العابرات بالأخص أن الأعمال الرسمية خارج نطاقهن. إزدياد حالات ترك المدارس وغياب الدعم العائلي وغياب الوصول إلى رعاية صحية شاملة (منها القدرة على تمويل علاجات تأكيد الجندر) تترك النساء العابرات معرّضات للفقر والمرض والتشرّد.

لا يمكن للقانون التجريمي أن يمنع أحداً فعلياً من بيع الجنس. يمكن للتجريم، وفعلاً يجعل التجريم بيع الجنس أكثر خطراً، لكن هناك القليل مما تستطيع الدولة فعله لمنع الأشخاص جسدياً من الإتجار بالجنس. لذا، فالدعارة هي خيار دائم للنجاة لأولئك الذين لا يملكون شيئاً. ليس هنالك من أي مستلزمات تقريباً لمن تريد أن تنزل إلى الشارع لتنتظر زبون. يمكن للعمل الجنسي من أجل النجاة أن يكون خطيراً ومخيفاً، لكن بالنسبة لمن خياراتهن أسوأ (الجوع، التشرّد، أعراض انسحاب)، هي الملجأ الأخير: "شبكة الأمان" التي يمكن لأي إنسان محروم التمسك بها. يفسرّ ذلك المرونة الحصينة للعمل الجنسي.

بالنسبة النسويات المناهضات للدعارة، التخوّفات بشأن صناعة العمل الجنسي تقع ضمن نقد أوسع للرأسمالية. "لماذا يقف اليسار إلى جانب السوق الحرّة فقط عندما يتعلّق الأمر ببيع وشراء أجساد النساء؟" تسأل جولي بيندل. هذا السؤال إما يسيء فهم الحجة أو لا يمثلها بالشكل الصحيح: ما يفضلّه اليسار هو حقوق العمال والعاملات، لإعادة توزيع القوى بينهم وبين أصحاب العمل. في المجتمع الرأسمالي عندما تجرّم شيئاً فالرأسمالية لا تختفي من السوق. عندما نُسأل في المجتمع الرأسمالي عن الاختيار بين تجريم وعدم تجريم الجنس التجاري، لا يتم اعطائنا خيار ألّا تتحكم "السوق الحرّة" بتداعيات ذلك. في الحقيقة، تظهر الرأسمالية بأسوأ تجلياتها بطرق عدّة في الأسواق المجرّمة. عند تجريم الجنس التجاري، لا يمكن أن توجد حقوق للعاملات فيه، بينما عندما لا نجرّمه، يصبح بإمكان الناس الذين يبيعون الجنس الوصول إلى قانون عمل وأنواع أخرى من الحماية يمتلكها العاملون في أماكن عمل قانونية.

القول بأن الدعارة عمل ليس كالقول بأنّه عمل جيّد. وكذلك هي أغلب الأعمال المتوفرة لمن ينتهي بهن الأمر في العمل الجنسي. يقع من يقومون ببيع أو تجارة الجنس ضمن فئة أضعف الناس في العالم، الناس المجبرين على القيام بأسوأ الأعمال. لهذا السبب بالتحديد على المدافعين المناهضين للدعارة أن يأخذوا بجديّة حقيقة أنّ العمل الجنسي هو طريقة لأولئك الأشخاص ليملكوا المصادر التي يحتاجونها. بالعكس، يتم التغاضي عن تلك الحقيقة بشكل عبثي – خسارة وظيفة سيئة، كما يقال لنا، ليست بأمر مهم. خسارة الأعمال هي بالضبط ما نحتاجه كي نحقق التغيير الاجتماعي، هكذا يخبروننا. تكتب النسوية المناهضة للدعارة ميغان ميرفي: "أخمّن أنّه ليس علينا إيقاف الصناعة النفطية لأن العمال سيخسرون وظائفهم؟ هذا ليس تقدميّاً جدّاً... الدفاع عن ممارسات مؤذية كي لا يخسر الناس وظائفهم." أولئك الذين يعتمدون تلك الحجّة يعتقدون بأن "التغيير المجتمعي" يحصل عبر أخذ شيئٍ من المجتمع. لكن الأشخاص الذين يملكون القليل لديهم كل الحق في الخوف من أخذ أدواتهم للنجاة منهم. لم يقم المنقبين البريطانيين في الثمانينات بالإضراب من مبدأ أن التنقيب هو عمل رائع – كانوا بكل بساطة محقّين بإيمانهم أنّه عندما يتم أخذ التنقيب منهم، ستتخلى حكومة مارغريت تاتشر عن مجتمعاتهم لتمت جوعاً. كذلك، لن تحتج العديد من عاملات الجنس إذا رغبتِ بإلغاء صناعة الجنس طالما كان يرافق ذلك الإلغاء تأمين مصادر لهن للعيش دون الحاجة لبيع الجنس.

الهدف من إلغاء تجريم العمل الجنسي هو ليس، كما يتم رسمه غالباً، دفاعاً عن "حق" الرجل للدفع من أجل الجنس. في الحقيقة، كما وضحت حركة الأجور مقابل الأعمال المنزلية في السبعينات، تسمية شيئٍ بالعمل هي خطوة أساسية لبناء الحق لرفض القيام به، حسب شروطك الخاصّة. كتبت المنظرّة النسوية-الماركسية سيلفيا فيديريتشي سنة 1975: " إن المطالبة بالأجور مقابل العمل المنزلي لا تعني القول إننا في حال نيلنا للأجر سنواصل القيام بالعمل المنزلي؛ بل هي تعني العكس بالضبط، أي القول إن المطالبة بالمال مقابل العمل المنزلي هو الخطوة الأولى نحو رفض القيام بتلك الأعمال لأن طلب الأجور يجعل عملنا مرئيًا، وهو الشرط الذي لا غنى عنه لبدء النضال ضد هذا العمل." تسمية العمل بعمل كان استراتيجية نسوية أساسية استُخدمت حتّى أبعد من حركة الأجور مقابل الأعمال المنزلية: من مصطلح "العمل العاطفي" للعالمة السوسيولوجية آرلي هوتشايلد، لمصطلح "عمل الزوجة" للصحفية سوزان موشار، إلى تنظير صوفي ويكس عن الحمل في الرحم البديل و"العمل الحملي،" مسميّين بالتالي بنى العمل المجندر الخفية و"الطبيعية" كمركز للبدء بالتفكير حول كيفية مقاومة أو إعادة ترتيب تلك الأعمال.

كون عمل معيّن سيء لا يعني أنّه ليس "عملاً حقيقياً". عندما تؤكد عاملات الجنس أن عمل الجنس هو عمل، فنحن نقول أنّنا بحاجة لحقوق. نحن لا نقول أنّ العمل جيّد أو مسلّي، أو حتّى غير مؤذي، ولا أنّ له قيمة أساسية. من نفس المنطلق، وضع أنفسنا ضمن إطار حقوق العمال لا يشكل تأييد غير مشروط للعمل بحد ذاته. وهو ليس تأييداً للرأسمالية أو لصناعة جنس أكبر وأكثر إدراراً للثروة. "يعتقد الناس أنّ الهدف من جمعيتنا [الجمعية الوطنية لتحرر النساء في الدعارة] هو توسيع الدعارة في بوليفيا،" تقول الناشطة يولي بيريز. "في الحقيقة، نريد عكس ذلك. عالمنا المثالي هو عالم خالي من اليأس الاقتصادي الذي يدفع النساء إلى هذا العمل."

ليست مسؤولية عاملات الجنس الاعتذار عن الدعارة. لا يجب على عاملات الجنس الاضطرار إلى الدفاع عن صناعة الجنس ليحاججن أنّهن يستحققن القدرة على اكتساب المعيشة دون عقاب. ليس على الناس إثبات أن عملهم له قيمة جوهرية لكي يستحقوا الشعور بالأمان أثناء ممارسته. الاتجاه نحو مجتمع أفضل، مجتمع يكون لعدد أكبر من الناس فيه أعمال لها قيمة أوسع، مجتمع تشارك فيه المصادر على أساس الحاجة، لا يتم عبر التجريم. كما لا يأتي عبر معاملة حاجات الناس المهمشين المادية واستراتيجيتهم للنجاة باستخفاف. تطلب عاملات الجنس حق القدرة على الصراع في وظائفهن – وحتى كرهها، ومع ذلك، اعتبارهن عاملات. ليس عليك أن تحبّي عملك لترغبي أن تحتفظي به.

---

فيتيش: نوع من الرغبة الجنسية يتعلق تحقيقها بشيء أو قطعة ملابس أو جزء من الجسد أو غيرها...