أهمية شفاء النساء من جرح الأم

أهمية شفاء النساء من جرح الأم

النص التالي مترجم عن النص الأساسي من اللغة الإنجليزية، كتابة بثاني ويبستر، ترجمة سارة موعد

 

      مقدمة مشروع الألف:

  أردنا ترجمة النص التالي اندفاعاً من إيماننا بأهمية ترجمة النصوص النسوية لتصبح متاحة باللغة العربية، خاصة النصوص التي تلقي الضوء على تجارب شبه عالمية، تجمع العديد من النساء بسبب عالمية العديد من الأفكار والتوقعات الذكورية. "جرح الأم" هي مصطلح تم تركيبه لشرح حالة شبه مستمرة من المشاعر والأفكار والممارسات التي تمر بها العديد من النساء بسبب علاقاتهن مع أمهاتهن التي شوّبتها توقعات النظام الأبوي. يتم شرح المصطلح بشكل موسع في المقال.

  ترجمتنا للنص لا تعني موافقتنا الكاملة على مضمونه. نتحفظ عن الحاجة لرسم تشخصيات للحالات التي نمرّ بها كبشر بسبب موقعنا والأنظمة التي نعيش تحتها، فنتردد كثيراً باعتبار تلك الحالات "اضطرابات" على سبيل المثال، بل نراها كجزء من التجربة البشرية، لا بل جزء أحياناً ضروري في حياتنا، نبدأ بفهمه أكثر كلمّا تكلمنا عنه مع نساء أخريات، مع أمهّات جديدات، وحتّة أمهاتنا نحن.

 

النص:

   جرح الأُم هو ألم موروث يتناقل عبر اللاوعي الجمعي، وهو ينتقل من الأم إلى الابنة ومن ثم الحفيدة، يدور في دوائر مغلقة تتناقلها النساء عبر الأجيال في كنف المجتمعات الذكورية.

هو الألم الذي ينمو في المرأة عند محاولتها اكتشاف وفهم قواها في مجتمع لا يفسح لها المجال لذلك، فيجبرها بدوره على تبني آليات دفاعية غير سوية متوارثة عبر أجيال النساء لمعالجة هذا الألم الذي يعكس التحديات التي تواجهها الأمهات والنساء في طريقها الى النمو في ظل مجتمع أنكر هويتهن الانسانية.

يحتوي على الآلام التالية :

1-  مقارنة أنفسنا بالآخرين والشعور بالدونية اوالنقص 

2- التوهّن (التظاهر بالضعف): شعور أنّه يجب عليكِ البقاء ضعيفة لتبقي محبوبة

3- الشعور بالذنب عند الرغبة بأكثر مما هو موجود

4- التخبط والقلق من اكتشاف الهوية الجنسية

5- خوف من التعرض للرفض من قبل الأم اولاً والمجتمع ثانياً

 

 وقد يظهر بالأشكال التالية: 

1- عدم القدرة على تحقيق الذات للشعور أن هذا سيهدد وجود الآخرين في حياتي

2- الميل لتقبل المعاملة السيئة من الآخرين (من الأم تحديداً) 

3- إنتاج شخصية عاطفية تحب الاعتناء بالآخرين والحفاظ على مشاعرهم على حساب مشاعرنا (nurturing personality)

4-  اضطرابات الطعام ( النهم العصابي, فقدان الشهية…) 

5- تصبح أكثر عرضةً للإصابة بأمراض نفسية كالاكتئاب، القلق، والإدمان 

6- الكبت الجنسي و عدم القدرة على التعبير عن الحاجات والتفضيلات الجنسيّة

7- اللجوء الى آليات التدمير الذاتي 

9- الشعور بأننا لا نستحق او نقدر على تحقيق رغباتنا 

10-  الانتظار الدائم للحصول على موافقة الأم وقبولها لنا و لاختياراتنا بشكل لا واعي 

11- البقاء في منطقة الراحة و الخوف من تحقيق طموحاتنا

12- عدم الشعور بالأمان الكافي للتعبير الحقيقي عن صوتنا الداخلي، أي انكماش اجزاء من ذواتنا

13- الخوف من الفشل او الرفض

 

اين يقع الجرح الأم و كيف يتغذى ؟

 يقع هذا الجرح بين دائرة الأم و الابنة في علاقة دينامية متفاعلة. 

في  الثقافات الأبوية حيث تكون السيطرة الذكورية، تخضع النساء للتنشئة على انهن اقل قيمةً او شأناً وهذه الصفات قد تم استيعابها في تفكيرنا وتناقلت عبر أجيالٍ وأجيال من النساء. فأين موقع الجرح الأم من هذا؟

  

على مستوى الأم و الابنة :

 تعمل الأم على تمرير الرسائل المبطنة الى ابنتها على مستوى اللاوعي، حيث  تحتوي هذه الرسائل على كل ما ابتلعته الأم من أفكار مجتمعية  ذكورية.

 

و تكون الابنة هنا أمام خيارين:

- الأول: هو استيعاب هذه الرسائل وإظهار انعكاسها في السلوك، فتميل إلى طاعة الأم على حساب تحقيق الطموح كنوع من الولاء. 

- الثاني: وهو رفض هذه الرسائل والإقرار بالتمرد عليها. ويعتبر هنا كنوع من الخيانة للأم و الوقوع في خطر التعرض للرفض من قبلها (لأن خيانة افكار الأم ومبادئها تعني خيانتها الفعلية).

 وقد يكون السبب وراء هذا الشعور هو الخوف من إزعاج الأم أو إثارة حزنها وغضبها. وذلك لأن امهاتنا بالمقابل كنَّ قد حُرمنَ من فرص لتحقيق الذات و السعي وراء الطموحات، من ثم اجبرنَ على تقديم  التضحيات في سبيل انجاح مؤسسة الزواج وتربية الأبناء. فتأخذ الابنة مهمة الحفاظ على مشاعر امها وعدم ازعاجها او إثارة غيرتها بالإنجازات والنجاحات. فتقرر أنه من الأمان البقاء تحت جناح الأم و عدم خسارة القبول والحب. 

 

    كلنا قد شعرنا بالآلام التي تحملها امهاتنا منذ أن كنا اطفالاً، وبسبب قصور الجهاز المعرفي عند الطفل فهو يضع نفسه سبباً لأي شيء، هو بالتالي سبباً الحزن لأمه وآلامها . و قد نكبر ونحن نحمل معنا هذا الذنب كراشدين. ونسعى دائماً للتضحية لتعويض حزن الأم. فيسعى الطفل ليكون (الأقوى، الأذكى، الأمهر...) كتعويض للأٌم عن خسارتها.  فيصبح التفوق والإنجاز مرهوناً بالذنب وعقدة التقصير. والحقيقة هي أنه لا يوجد تضحية قد تكون كافية لتعويض الأم عن ما قدمته من أجلنا.  

 

 بعض الجمل النمطية التي تساهم في تعميق جرح الأم : 

1- "انظري الى كل ما فعلته امك لأجلك!"

2-" أمي ضحّت بالكثير من أجلي، قد اكون أنانية اذا قررت أن افعل ما لم تستطع هي فعله" 

3- "انا مخلصة لأمي وان فعلت ما يزعجها ستظن اني لا أقدّرها"

 

قد نقع في خلط بين أن نكون مخلصين لأمهاتنا وأن نكون مخلصين لجروحهم. مما يجعلنا مساهمين في استمرارية تعرضنا للقمع و الكبت.

و من جهة اخرى يسعى المجتمع في توجيه رسائل ضغط للأمهات تأتي على أشكال متعددة: 

1- الأمومة شيء سهل جداً وان فشلتِ في ذلك فهو خطؤك وحدكِ

 2- من الواجب عليكِ الحفاظ على زواج ناجح و جسم جذاب و أولاد مهذبين و عمل مستقر بسهولة تامّة

3- انظري الى الأمهات الناجحات من حولك و اشعري بالعار ان لم تكوني مثلهن

  

بالنسبة لأمٍ قد قدمت الكثير من التضحيات فقط كونها أماً وامرأة في ظل مجتمع أبوي، قد تشعر بنوع من الرفض إذا قامت طفلتها التي هي (انجازها)  بالتفوق عليها، أو العكس تماماً ان لم تستطع تحقيق احلامها.

وتكون الابنة تحديداً هدفاً لهذا الألم لأنها تُذكّر الأم بشكلٍ لا واعي بصباها وطموحها الذي طُمس عندما قررت وهب نفسها للامومة، فتوقظ بداخلها ألم عميق يظهر على شكل غضب و تحكم. 

تحاول الأم إثبات هويتها و جدارتها من خلال  الطفل الذي يُعتبر امتداد لكيانها وجزء من ملكيتها التي ضحّت الكثير لصقلها وتحديدها دون الحصول على  الدعم او الامتنان. 

و قد توجه الأم غضبها اللاواعي على الأطفال، بينما في الحقيقة هي غاضبة على المجتمع الذي طلب منها بذل التضحيات والتخلي عن الاحلام من أجل تربية هؤلاء الأطفال . 

 

 تكمن نشأة جرح الأم في عدم وجود مكان آمن للأمهات لتمرير غضبهن و التحدث عن آلامهن . 

بدايةً: على الأم أن تعي لما قدمته من تضحيات وأن تعطي نفسها الوقت اللازم لتقديم العزاء النفسي على الخسارات المتعددة. و من ثم استيعاب و فهم هويتها الأمومية و تقبّل التضحيات التي اجبرها المجتمع على بذلها وعلى عدم عدالة الموقف.

فالمجتمع لا يقدم دعماً للأمهات حتى العاملات منهن. فنرى أن الأم  قد انخرطت في سوق العمل ولكن المهام التقليدية المُلقاة على عاتقها بقيت ذاتها بدون مساعدة من الأب و العائلة أو تسهيلات من الدولة وقوانين العمل. 

يجب على الأم معالجة آلامها بشكل واعي، والإقرار بأنه ليس من مسؤولية الابنة تعوضها عن أي خسارة أو ألم. 

من المؤكد ان كل ام تريد الأفضل لابنتها، لكن إن لم تعالج جراحها اولاً وتتصالح مع فكرة التضحيات التي قدمتها، ستبقى علاقتها مع ابنتها مبنية على هيكلية ثلاثية لاواعية (الذنب، الخجل، الطاعة)، حتى ولو كانت العلاقة الظاهرية سليمة و صحية . 

بالنسبة لنا كنساء أولاً وبنات أمهاتنا ثانياً من الضروري التعرف على جرح الأم في ذواتنا والبدء بمحاولة فهمه، والتيقن أنه لم ولن يكن بمقدورنا كأطفال أو راشدين ان ننقذ أمهاتنا من جرح أمهاتهم. كل ما يمكن فعله هو محاولة فهم أنّهن كنّ وما زلنَ ضحية لمنظومة اجتماعية أجبرتهم على ابتلاع مفاهيم الضعف والتضحية والإيثار في سبيل الإنجاب واستمرارية الأسرة. و تكمن القوة في كسر الدائرة والتوقف عن قبول بعباءة الضحية  كما الأجيال التي سبقتنا من النساء. و من جهة أخرى علينا اسقاط صفة المثالية عن الأم التي تشكل لها ضغطاً وتجبرها على تحمل اكثر مما تسمح به طاقتها. وأنها ليست مجبرة على تقديم التضحيات و التنازلات فقط كونها اماً . 

   لدى كلّ منّا القليل من الأبوية المستطبنة في داخلنا إلى حدٍ ما، تلك الكمية التي اضطررنا لابتلاعها من أجل البقاء والتأقلم في المجتمع. وعندما نصبح جاهزين لمواجهتها في أنفسنا، علينا أن نواجهها في الآخرين ايضاً، بمن فيهم أمهاتنا. تلك المهمة  قد تكون الأكثر إيلاماً و الأصعب تنفيذاً، ولكن إن لم نفعل ذلك حقاً محاولة لفهم جرح الام، سنبقى في ألمٍ أعمق، و ندفعُ ثمناً غالياً لسلامٍ داخليّ زائف. 

إن تجنبنا الاعتراف الكامل بالأثر الذي سببه ألم امهاتنا لنا، سنبقى بعيدين عن النضج العاطفي. لذلك فإن الولوج الى قوتنا الكامنة كاملةً يتطلب إعادة النظر في علاقتنا مع أمهاتنا والتحلي بالشجاعة الكافية لفصل فردانيتنا عنها بكل ما فيها من: قيم ومبادئ وأفكار ومعتقدات. و يتطلب منّا اعطاء انفسنا الحق بأن نشعر بالحداد والحزن لأننا جُبرنا على رؤية الآلام التي خاضتها امهاتنا، وبالمقابل، اعطاء أنفسنا الحق بمعالجة آلامنا الخاصة التي سببتها لنا آلامهم. بالرغم من صعوبة هذه المعالجة، الّا أنها المدخل الوحيد للحرية الحقيقة الشفافة.