هل يمكننا التفكير بالعمل بطريقة نسوية؟

هذا النص هو نتيجة عمل تشاركي بين مشروع الألف وRESURJ، يمكنكم الإطلاع على الحملة التي قمنا بها سوياً هنا.

 

بموجب مفهوم الرأسمالية للعمل المأجور، نحن ملزمون بوظائفنا من أجل النجاة، ومع ذلك غالبًا ما يتم إضفاء الطابع الرومنسي إلى الفكرة في بعض التيارات النسوية. ترتبط تلك الرومنسية بشعور الاستقلال، المادي بالأخص، الذي يأتي مع الحصول على عمل يدفع أجرا يكفي لترك الظروف غير المواتية والعنيفة في كثير من الأحيان. لسوء الحظ، فإن هذا النوع من الخطاب منتشر في عالم الجنوب، حيث يُقال للنساء إنهن بحاجة إلى وظيفة "محترمة" حتى يتمكنّن من الحصول على حياة أفضل. في الروايات الأخرى ذات التوجه النيوليبرالي، يرتبط هذا أيضًا بشكل شائع بـ إيجاد نفسك" و "ايجاد هدف في الحياة". ومع ذلك، فإن معظم الوظائف التي تجد النساء أنفسهن فيها لا توفر هذا الإحساس بالهدف والهوية. غالبًا ما يؤدي تكوين الهوية من خلال المسمى الوظيفي أو المهنة أو النشاط الاقتصادي إلى إعادة إنتاج الاضطهاد على اساس الطبقة والعرق.

ما يجعل العمل نسويًا هو تحرره من الأبوية الرأسمالية. فهم هذه الفكرة هو الخطوة الأولى نحو تحقيق الاستقلال الذاتي في أجسادنا وخياراتنا. نحتاج أيضًا إلى رؤية العمل كنسوي في كيفية سيطرة الناس على المساهمة في الأوساط والمجتمعات التي يريدون/تردن العيش فيها - من خلال عملهم/عملهن الفردي والجماعي، بمهارات وخبرات وأهواء وخلفيات متنوعة. بهذا المعنى، لا يتعلق الأمر فقط بالتركيز على الاستقلالية الفردية، بل بالأحرى على عالم اجتماعي ومترابط تم بناؤه من خلال التحكم الجماعي في العمل ووسائل الإنتاج والوقت.

بصفتنا نسويات، يجب أن نطمح ونعمل ليس فقط على فهم الهياكل التي تحدد "العمل" كما نعرفه اليوم، ولكن تجاوزها أيضًا. لقد تم ترسيخ القيم الرأسمالية للإنتاجية والكفاءة في مفهوم العمل، لكن النهج النسوي للعمل يقاوم ويتحدى ذلك.

العيش في عالم الجنوب، لا سيما في لبنان حيث يتم تقسيم العمل على أساس الجندر والعرق والجنسية والطائفة، لا يمكننا تصور التغيير والإصلاح دون معالجة الأنظمة الكبيرة التي تدور حول العمل. للبدء، يجب تفكيك نظام الكفالة الذي يجلب العمال/العاملات المهاجرين/المهاجرات من بعض دول إفريقيا وجنوب شرق آسيا ليتم توظيفهم في أعمال التنظيف والأعمال المنزلية والرعاية مقابل أجور منخفضة وفي ظروف استغلالية للغاية. بالإضافة إلى ذلك، يجب إدراج العمال/العاملات في قانون العمل في البلاد تمامًا مثل العمال/العاملات الآخرين، بدلاً من تهميشهم في مجالات منفصلة و "مخصخصة" حيث يمكن بسهولة عدم رؤيتهم وإساءة معاملتهم ونسيانهم.

في ظل النظام الرأسمالي النيوليبرالي الحالي، يحتاج العمل المنزلي بشكل خاص إلى التفكيك، حيث انه إذا لم يتم إثقال كاهل النساء بالأعمال المنزلية وأعمال الرعاية بصفتهن المؤديات الوحيدات "الطبيعيات"، فلن تضطررن إلى الاعتماد على أنظمة استغلالية تستورد عمالة أرخص من النساء المهمشات ونساء الطبقة العاملة لأداء ذلك نيابة عنهن. إن الفكرة القائلة بأن وظيفتهن هي أداء العمل، ووظيفتهن أن تكنّ "بديلات" تحتاج إلى تغيير جذري، ونحتاج الى إلغاء "الطابع الانثوي" للعمل المنزلي.

هناك أيضًا خطاب قومي في لبنان يربط بين جنسية الشخص ونوع العمل الذي يمكنه القيام به. وظائف المنزل والتنظيف للعاملات المهاجرات. ووظائف البناء هي للاجئين (السوريين والفلسطينيين) الذين/اللواتي يتقاضون رواتب أقل بكثير من نظرائهم اللبنانيين. يشغل العديد من وظائف الشركات الراقية أو مناصب في الجمعيات الخيرية وغير الحكومية المرموقة المغتربين الأوروبيين والأمريكيين البيض. كل الوظائف الاخرى للبنانيين/اللبنانيات. في ظل الأزمة الاقتصادية المتدهورة، طلبت زوجة رئيس الوزراء السابق من اللبنانيين/اللبنانيات تولي الوظائف التي يعتقدون انها ليست من مستواهم. بالطبع، بصرف النظر عن حقيقة أن هذه ليست الطريقة التي تحل بها الأزمات، فإن رد الفعل العنيف على هذا كان متنوعًا، حيث قال معظم الناس إنهم لم يذهبوا إلى الجامعة لينتهي بهم الأمر في مثل هذه الوظائف. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الذين يأتون إلى لبنان عبر نظام الكفالة حاصلين على تعليم ثانوي إلى ما بعد الثانوي.

هناك مسألة أخرى تستحق التفكيك وهي استيراد نماذج حماية العمال التي لا تستند إلى مطالب العمال محليًا. على سبيل المثال، فيما يتعلق بالتمويل، تتبنى المنظمات التي تتعامل مع العمل الجنسي في لبنان النموذج السويدي، وتدعو إلى فرض ضرائب على مشتري الخدمة من أجل "حماية" عاملات الجنس. بالطبع، ما ينقصهم هو الاعتراف بالوكالة في العمل الجنسي. في معظم الأوقات، لا يعتبرون أنه عمل في المقام الأول، ويخلطون عن طريق الخطأ بين العمل الجنسي الطوعي والاتجار بالبشر. يتم استخدام هذا التأطير بشكل كبير في الحملات الوطنية ويؤثر على الخطاب حول الجنس والأخلاق والعمل في لبنان، مع تخطي الخطوة الأساسية المتمثلة في سؤال المشاركين/المشاركات في العمل فعليًا عن مطالبهم ومخاوفهم وما إذا كان تشكيل نقابة شيئًا هم مهتمين به. تظهر عقدة المنقذ الأبيض من خلال عمل مجموعات حقوق المرأة "التبشيرية".

من أجل نهج أكثر نسوية وأكثر عدالة في العمل، نحتاج إلى تجاوز قيود وحدود ما تريدنا الرأسمالية أن نراه على أنه عمل. يمكننا أن نبدأ ضمن حركاتنا النسوية، ويمكننا تجسيد وتجريب الهياكل المتنوعة وممارسات المساءلة التي تتضمن الرعاية الذاتية الجماعية والفردية لتحدي طرق العمل ذات التوجه المؤسسي الأكثر تقليدية والموجهة نحو النتائج والموجهة نحو الربح والتسلسل الهرمي الشامل. يمكننا أيضًا أن نبدأ من خلال دعم النقابات والوصول الكامل إلى حقوق العمال، وإعطاء الأولوية لتوفير الموارد للعمال، والاستثمار في إجراء هذه المحادثات مع مجموعات مختلفة من العمال. يمكننا أيضًا تعزيز دعوتنا الى اعتماد نهج تقاطعي في صياغة مشاريع القوانين المختلفة المتعلقة بالعمل في بلداننا لتشمل وتضمن حقوق النساء المهاجرات واللاجئات والنساء المعوقات والنساء العابرات وعاملات الجنس، والاعتراف بجميع أنواع العنف والتحرش باعتباره انتهاكًا للاستقلالية والسلامة الجسدية كما تعترف منظمة العمل الدولية في اتفاقية C190 عام ٢٠١٩.

في النهاية، يتعلق الأمر بمعالجة وتحدي التفاوتات الهيكلية والممنهجة حول العمل التي يزدهر عليها النظام الرأسمالي النيوليبرالي ويعيد إنتاجها. يمكننا البدء في تجسيد وإدماج هذه التغييرات في ممارساتنا اليومية داخل المنظمات والتجمعات النسوية.