خلوة بكل معنى الكلمة

إمعان النظر في خلوة القراءة عن سياسة الجنسانية ، بقلم إيمان

في البداية، كنت مترددة حيال قضاء نهاية الأسبوع فيما بدا لي كلقاء أكاديمي، خاصة وأنّ عطلة نهاية الأسبوع هي الوقت الوحيد الذي يمكنني الاستراحة خلاله. ولكن فكرة قضاء الوقت بعيدا عن المدينة ورتابتها راقت لي كثيرا ولو كانت على حساب نومي صباح الأحد.

عندما رأيت الكتيب الذي يحتوي على  النصوص التي يجب عليّ قراءتها من أجل الخلوة؟ لأول مرة، وجدت سمكه مرعبا، لكنّي سرعان ما أحببته، فقد جمع العديد من المواضيع المهمة المتعلقة بحياتنا والتي قلّما نناقشها. نجحت العديد من المقالات في لفت انتباهي إلى العلاقة الوطيدة بين التحكم والضبط الّذان يمارَسان على الجسد تحت ذريعة "الأخلاق" من جهة، وبين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية من جهة أخرى، فالأخلاق السائدة في فترة معيّنة تعتمد بشكل أساسي على الحالة الاجتماعية السياسية المسيطرة في تلك الفترة.

لم أكن أتوقع أن يساعدني كتابا عن "الجنسانية" في فهم العلاقة بين المجتمع والاقتصاد والسياسة إلى هذا الحد. الأهم من هذا كلّه هو أنني تعلمت الكثير على الصعيد الشخصي، فأصبحت أكثر تنبها إلى ارتباط تحليلي للأمور بما يفرضه عليّ المحيط الذي أعيش فيه. أصبحت أكثر علما بنفسي وبالدور المتوقع منّي في المجتمع.

اللقاء في الخلوة بحد ذاته كان بعد أفضل. لا تتاح لنا الفرصة عادة لمناقشة مواضيع بتلك الحساسية في بيئة آمنة. وجدت أن  الآخرين يشاركونني الكثير من الأفكار والاهتمامات في حين كنت أعتقد أني وحيدة في ذلك. رغم أنني لا أعتبر  نفسي شخصا بارعا في إلقاء الخطب،  (فغالبا ما أتوتر وأخجل وسط المجموعات الكبيرة)  سرعان ما وجدت نفسي أتحدث عن أفكاري بطلاقة. لم أخف من أن تحكم عليَّ احداهنّ، فجميعهن يشاركنني نفس الاهتمامات والمخاوف.

ألهمتني المناقشات التي دارت خلال اللقاء.ساعدني الإصغاء إلى آراء وتجارب  المشاركات  على استيعاب مفاهيم كانت بعيدة عني وعن تجربتي الشخصية. على سبيل المثال، تعلمت الكثير عن التحديّات التي يواجهها الأشخاص ذوي جندر غير نمطي كما تعلمت  أن هناك عايير تميّز بين الجنس الجيد والمقبول  والجنس السيء والمرفوض، تختلف من مجتمع إلى آخر وحتى ضمن المجتمع عينه  وضمن المجموعات المصغرة نفسها.

عليّ أن أعترف أن أكثر ما أحببته في الخلوة  هو الأفلام والتمارين التفاعلية التي نُظمت بشكل ممتاز والتي أثارت نقاشات مهمة في حلقات لاحقة. لكل من يقرأ ما كتبته الآن، عليكم أن تشاهدوا فلم "2004 - "Beautiful Boxer حالاً. إنّه من أفضل الأفلام التي شاهدتها، فمتابعة حياة متحولة جنسيا والتعرف على التحديات التي واجهتها في رحلة اكتشافها لذاتها ولاحقاً وصولها إلى ما طمحت إليه دائما، كانت حقّا ملهمة. يمكنني القول بأني أصبحت على معرفة أعمق بما يتعرّض له كل من تختلف هويته/ها الجندرية عن هويته/ها الجنسية بعد مشاهدة الفلم.

أحب مراجعة نفسي دائما، ولهذا فقد تغيرت نظرتي للعديد من الأمور بناء على ما ناقشته مع غيري، سواء دار النقاش في استراحة القهوة أو مساءً على الشرفة ونحن نحتسي النبيذ بالرغم من محاولة الآخرين إسكاتنا ليناموا. وجدت نفسي أشارك أفكارًا شخصية  مع أشخاص لم يكونوا سوى غرباء قبل يومين. لا زلت أفكر بالعديد من النقاط التي أثارتها النقاشات بالرغم من مرور أيام على اللقاء، فأراجع نظرتي للأمور التي اعتدت على وصفها بالطبيعية دون تردد.

أذكر أن في اليوم الأخير، كانت أغلب التعليقات حول مدّة اللقاء القصيرة جدا، وأنا شخصيا وجدتها أقصر مما يجب. عند ترتيب أغراضي للرحيل، شعرت بأني على وشك الوقوع من أعلى غيمة في سماء يسود فيها تقبّل الآخرين وتعددهم، لأجد نفسي على أرض الواقع في مجتمع كنّا قد ناقشنا مشاكله بالتفصيل خلال اليومين الماضيين.

 

---

Image removed.