ما تعلمته من معهد الشبان للحقوق الإنجابية

في أوائل شهر كانون الأول من العام الماضي، شاركت، ولمدة ثلاثة أيام، في دورة تدريب على المناصرة الشبابية نظمتها "شراكة الإجهاض الآمن في آسيا". عُقد هذا المؤتمر، وهو الثالث من نوعه، في موماباي الهندية، وضمّ مشاركين من النيبال، والهند، وبنغلادش، والصين، وسريلانكا، وإندونيسيا، والفيليبين ولبنان " شراكة الإجهاض الآمن في آسيا " هي شبكة تسعى إلى تعزيز، وحماية والدفاع عن الحقوق الصحية والجنسية والإنجابية للنساء في آسيا، وذلك عبر تقليص نسبة الإجهاض غير الآمن مع ما يرافقه من تعقيدات،  كما تعمل الشبكة على توفير خدمات شاملة وآمنة في هذا المجال في البلدان التي تشرع أو لا تجرم الإجهاض. تهدف هذه الدورة إلى تدريب الراشدين الشباب على تكوين فهم حول الإجهاض الآمن بإعتباره حق جنسي وجندري وإنجابي، بالإضافة إلى كونه مسألة حقوق إنسانية. 

عالجنا، خلال الجلسات، مواضيع متعددة كعلاقة النوع الإجتماعي والبطريركية والنسوية بمسألة الإجهاض الآمن، وتطرقنا إلى مسألة الحقوق الجنسية والإنجابية بوصفها حقوق إنسان، وإلى بعض  الحقائق والإحصاءات الطبية في هذا الخصوص، وتدربنا على تطوير مهارات وتقنيات في المناصرة.  

بصراحة، لقد شاركت في المؤتمر بهدف كسب معلومات طبية حول الصحة الجنسية والإنجابية، ظناً مني أنني، كناشطة، لست بحاجة للعمل على تطوير مبادئي السياسية. كنت أعلم أن الإجهاض الآمن هو أمر مهم، وكنت أعرف لما هو مهم لهذه الدرجة بالنسبة لي. كما كنت على قناعة بأن الإجهاض الآمن هو حق مشروع لكلّ النساء بصرف النظر عما يظنه الناس. كنت واعية إلى مساوئ البطريركية والتمييز الجنسي، وكيفية تأثيرهما على الحقل الطبي، لا سيما فيما يخص أجساد النساء. لكنني صدمت لمعرفة أنني لم أكن جاهزة بعد لمقاربة هذه الأمور من خلال خطاب حقوقي. كنت أعرف هذه المسائل وأؤمن بها حقاً، لكنني لم أكن أعرف ما يمكن لي أن أفعله حيالها. كان من الصعب عليّ أن أموضع الحقوق الجنسية والإنجابية داخل إطار الحقوق الإنسانية، وأن أتبين العلاقة بين المجال الصحي وبين صراع العدالة الإجتماعية وإحترام الكرامة الإنسانية. وهو صراع أرى نفسي وفيةٌ له.

لقد حصلت على حصتي من المعلومات الطبية حول الإجهاض الآمن. وإكتسبت معرفة حول وسائل منع الحمل، والطرق الطبية والجراحية الآمنة للإجهاض. صرت أعرف كيف يتمّ الحمل، وكيف يمكن تجنبه. كما تعلّمت أن توزيع أساليب الوقاية هنا وهناك لا يغني عن إقرار الحق في الإجهاض الآمن. لقد أدركت لما نؤيد الإجهاض الآمن في عالمٍ تضطر فيه النساء اللجوء إلى عمليات إجهاض سرية وغير آمنة، بل وأحياناً مميتة. وفق إحصاءات منظمة الصحة العالمية، إن الإجهاض غير الآمن، في آسيا هو السبب وراء 12% من حوادث الموت المتعلقة بالحمل. كما أنه يتسبب في مقتل 38000 إمراة سنوياً. إن صون حق الحصول على الإجهاض الآمن هو خطوة ضرورية في سبيل تقليص نسبة إنتشار الأمراض وخفض معدل وفيات الأمومة. وقد تفاجأت لمعرفة أن آرائي السياسية النسوية الراديكالية لا زالت بحاجة للكثير من العمل والبلورة.

إنتهى اليوم الأول من الدورة بتمرين لن يمحى من ذاكرتي. كان تمريناً "لتوضيح المبادئ"، بحيث قدمت إلينا بعض الطروحات وكان علينا مقابلتها بالرفض أو الموافقة، لكن الحياد لم يكن خياراً. أشارت إحدى هذه الطروحات إلى أن "النساء يضعن حدّ لحياة  حين يجهضن". عارض معظمنا هذا الطرح إنطلاقاً من تأييدنا للحق في إمتلاك الخيار، لكننا فوجئنا بأن معظم الموظفين والمشاركين في دورات سابقة ل "شراكة الإجهاض الآمن في آسيا" وافقوا عليه. لقد شرحوا لنا أن الإجهاض هو، من المنطلق البيولوجي، إنهاءً لحياة الخلايا، لكن تركيزنا يجب أن ينصبّ على حياة المرأة الحامل. لقد وجدت هذا التمرين ممتازاً لمراجعة معتقداتي وتقييمها، والتفكير في مصدر هذه  المعتقدات، وإيجاد طرق أكثر فعالية لمقابلة الأيديولوجية التي تروج لإنعدام الخيار في مسألة الإجهاض.
 

لقد أصبحت أعرف أن صور الجهاز التناسلي الأنثوي كانت مركبة، تاريخياً، لتبدو كصورة معاكسة لأعضاء الذكر التناسلية. وقد كان البظر، في طبيعة الحال، خارج هذه الصور المنتجة بشكل أساسي من قبل الرجال. لم يتم الإعتراف بالمتعة والجنساتية الأنثويتين إلا بعد إدخال الرسومات النسوية في الكتب الطبية.  

لكن الأهم من ذلك هو أنني كونت معرفة حول القوانين المقيّدة الموجودة في عدّة بلدان، لا سيما بلداننا الآسيوية. وأيقنت أن، مهما كانت هذه القوانين، فأجساد النساء تخضع دائماً للسيطرة والرقابة والقيود، ويتمّ الكذب عليها، بشكلٍ أو بآخر. ولكنني أصبحت أرى أن هنالك تقدّم بطيء ومتعثر، بحيث أنه لا يزال هناك نساء تنتفضن بالرغم من القوانين المقيدة التي تحد من الحق في الإجهاض الآمن (ولا تحد من عدد عمليات الإجهاض غير الآمنة). شرّعت النيبال، على سبيل المثال، الإجهاض في العام 2002، ومن الجميل أن نسمع اليوم النساء النيباليلت يتحدثن عن الصراع الذي خضنه لتحقيق ذلك، وللإستمرار في تطويره وتحسين شروطه. لكن وبالرغم من إقرار هذا التشريع في العام 2002، إلا ان التراجع الحقيقي لمعدّل وفيات الأمومة لم يحدث إلا بعد توسيع برنامج التدريب على الإجهاض الآمن ليشتمل مساعدي أطباء، ودورات تدريبية للثلث الثاني من الحمل، وخدمات طبية للإجهاض، وذلك بحسب ما أقرته دراسة نشرتها    PLoS oneسنة 2013. 

لكن السردية التي سمعتها كانت تكرّر أن العديد من النساء النيباليات لا زلن يخترن إجراء الإجهاض بشكلٍ غير آمن وسري بسبب وصمة العار التي تلاحقهن، فيما لا تتمكن أخريات من الوصول إلى الخدمات الطبية الآمنة والقانونية حتى. إنني أشير هنا إلى أن المرأة تظلّ عرضةً للوصم والممارسات البطريركية حتى مع تشريع الدولة للإجهاض، بالرغم من أهمية هذا الإنجاز الذي يجب الإحتفاء به. لا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للولايات المتحدة والهند حيث لا تزال  أجساد النساء تخضع للقمع والوصم، ولا يزلن يواجهن صعوبة في الحصول على خدمات الإجهاض الآمن، بالرغم من قوانينهما الأقل تقييداً.

أخيراً، إكتسبت بعض المهارات التي لم أكن أتوقع أن تزودني بها هذه الدورة. فقد تعلّمت كيف انتج فيديو قصير للمناصرة، وكيف أستخدم وسائل التواصل الإجتماعي، هذا بالإضافة إلى إكتسابي معلومات حول العلاقة بين التكنولوجيا والنسوية (via Shivani Gupta from

Feminist Approach to Technology)

لقد أمعنّا النظر في بعض المقاطع المصورة المنتشرة على الإنترنت والتي تتناول موضوع الإجهاض، ولاحظنا أن الرسائل الموجهة للنساء كانت مختلفة جداً عن تلك الموجهة للرجال، وتحدثنا عن إستخدام النساء في الإعلانات التي تتمحور دائماً حول الزوجة الصالحة، ربة المنزل، الأم، إلخ. لقد بحثنا في أساليب تغيير هذا الواقع، على أمل أن نستولي، يوماً ما، على الإنترنت!

لقد أجريت أيضاً بعض الإستماع. إستمعت إلى قصة  "شراكة الإجهاض الآمن في آسيا ، وقصة سمسارا، وقصص عدد لا يحصى من النساء اللواتي أجرين إجهاض آمن، أو عملن بلا كللٍ لإيجاد طرق لتوفيره. لقد غادرت الدورة التدريبية وبجعبتي هذه القصص التي أرغب بمشاركتها. وبالرغم من كونها محزنة، إلا أنني أراها شجاعة وقوية. لقد جعلتني هذه القصص أكثر تواضعاً وقوةً، ولا زالت تمنحني، حتى اليوم، شجاعةً وأملاً لأظلّ وفية لهذا الصراع. صراعٌ، بتُ أعرف عنه اليوم الكثير.

By Lama

-------------

لمعرفة المزيد حول المؤتمر، يمكنكم زيارة مدونة "شراكة الإجهاض الآمن في آسيا لليوم الأول، والثاني، والثالث.

لمعرفة المزيد حول الحمل غير المرغوب به، يمكنكم مشاهدة هذا الفيديو على صفحة شراكة الإجهاض الآمن في آسيا على يوتيوب.  

 

                                                                                              Image removed.

                                                                                              (Photo credit: Prabani Perera)